تناقلت وسائل الإعلام البريطانية في بداية هذا الأسبوع خبر قيام مجموعة من المستثمرين بضخ مبلغ 20 مليون جنيه إسترليني، لغرض بناء أول مستشفى في العالم، يتخصص بجميع وحداته وأطبائه في معالجة السمنة فقط لا غير. هذا المستشفى الذي تقرر بناؤه في مقاطعة (ورستشير) بإنجلترا، يتوقع أن تجرى فيه في العام الواحد أكثر من 2000 جراحة لتقليص حجم المعدة عن طريق ربط مداخلها أو عن طريق زراعة بالون بداخلها، بالإضافة إلى عمليات شفط الدهون وغيرها من كتالوج العمليات الجراحية الأخرى، والتي أصبحت تشكل الملاذ الأخير لكل شخص خرج وزنه عن سيطرته، وتحول إلى خطر يهدد صحته وحياته. والمستشفى المتوقع أن يفتتح في بداية شهر مارس القادم سوف يحتوي على أربع غرف عمليات مجهزة بالكامل، ومن الممكن تشغيلها جميعاً في الوقت نفسه، بالإضافة إلى غرفة عناية مركزة وجميع التسهيلات التي توجد في أكثر المستشفيات التخصصية تقدماً. هذا الخبر دليل على مدى تدهور الوضع فيما يتعلق بوباء السمنة الذي أصبح ينتشر بين أفراد الشعوب الغربية، مما أصبح يتطلب مستشفيات متخصصة في علاجه، مثل مستشفيات العظام والعيون والأطفال وغيرها.
هذا الوضع المتدهور باستمرار بين رجال ونساء وحتى أطفال الشعوب الغربية، أظهره بوضوح تدارس أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في نهاية الصيف الماضي، فكرة إصدار قانون يعين المواطنين الأميركيين على مكافحة الوزن الزائد والسمنة بين البالغين والأطفال على حد سواء. وحسب مسودة هذا القانون ستقوم الهيئات والجهات الحكومية الأميركية، بإنفاق ما يزيد على 200 مليون دولار، على البرامج القائمة وعلى برامج أخرى جديدة، تهدف جميعها لمساعدة الأميركيين على إنقاص أوزانهم. ويأتي التدخل القانوني المتوقع للكونجرس الأميركي، نتيجة الأرقام والحقائق التي أظهرتها وأكدتها العديد من الإحصائيات والدراسات، حيث أشارت جميعها إلى أن 61 في المئة من الأميركيين البالغين تزيد أوزانهم على المعدلات الصحية أو أنهم مصابون بالسمنة. وتشير تلك الإحصائيات نفسها إلى أن السمنة كمشكلة صحية، تكلف الاقتصاد الأميركي حوالى 117 مليون دولار سنوياً. ولا تقتصر مشكلة السمنة على الولايات المتحدة وحدها، إذ تشير الدراسات أيضاً إلى أن عدد المصابين بالسمنة بين البريطانيين، قد تضاعف ثلاث مرات منذ عام 1982، لتصل حالياً نسبة البريطانيين ذوي الوزن الزائد إلى 39 في المئة من مجموع السكان. وتشير تلك الدراسات نفسها إلى أن السمنة تتسبب في وفاة أكثر من 30 ألف شخص في إنجلترا وحدها، والمتوقع أن يكون العدد أكبر بكثير، إذا ما أخذنا في الحسبان بقية أجزاء المملكة المتحدة.
أما على مستوى العالم فيبلغ حالياً عدد المصابين بالسمنة حوالي المليار شخص، وهو ما يسبب ضغطاً هائلاً على خدمات الرعاية الصحية حول العالم، ويتسبب في أرقام رهيبة من العجز والوفيات. ففي الولايات المتحدة وحدها، ينفق الأميركيون واحداً من كل عشرة دولارات من ميزانية الصحة العامة، على علاج الأمراض الناتجة عن السمنة. ويزداد هذا الرقم في الدول الغربية بوجه عام، ليصل إلى 2.8 في المئة من حجم الإنفاق الصحي العام. ومن الخطأ النظر إلى الوزن الزائد والسمنة على أنهما مشكلة جمالية، تتعلق بالشكل والأناقة. فالسمنة مشكلة صحية يمكن تصنيفها ضمن الأمراض الخطيرة، بسبب ما ينتج عنها من تأثيرات سلبية على العديد من أعضاء الجسم ووظائفه الحيوية. فعلى سبيل المثال يتوقع قريباً خبراء منظمة صحية عالمية هي المنظمة العالمية للقلب (World Heart Federation)، أن تصبح السمنة بدلاً من تدخين التبغ، السبب الرئيسي للإصابة بأمراض القلب والشرايين. هذا بالإضافة إلى العديد من المشكلات الصحية الأخرى، مثل السكري والتهابات المفاصل. ولا تقتصر متاعب السمنة على كل هذا فقط، إذ تشير بعض الدراسات الحديثة إلى العلاقة بين السمنة والعقم عند السيدات، وهو ما دفع بعض السيدات إلى إجراء جراحات سمنة خاصة، ليس فقط بهدف إنقاص أوزانهن، بل لاستعادة قدرتهن على الحمل والإنجاب. أما في الرجال فتعتبر السمنة أو زيادة الوزن المفرط، من أهم الأسباب التي تؤثر سلباً على عدد وحيوية الحيوانات المنوية. ففي دراسة أجريت في أطلانطا بالولايات المتحدة، وعرضت ضمن فعاليات مؤتمر الجمعية الأميركية في منتصف شهر أكتوبر الماضي، وجد الباحثون علاقة عكسية بين وزن الرجل وعدد وحيوية حيواناته المنوية. أي أنه كلما زاد الوزن كلما انخفض العدد والحيوية، والعكس صحيح. ومن ضمن الآثار الجانبية السيئة المصاحبة للسمنة، والتي أظهرتها دراسة أجريت منذ عامين وأشرفت عليها مجموعة من خمس جامعات بريطانية، وجود علاقة بين السمنة وبين الغذاء غير المتوازن وبين ارتفاع معدلات الإصابة بمرض المريء. أما أغرب الآثار الصحية التي سوف تنتج عن وباء السمنة المنتشر حالياً، فهي النظرية القائلة إن الجنس البشري سوف يخضع لتطورات في شكله العام بسبب الوزن الزائد. هذه النظرية التي طرحها البروفيسور (آندرو برينتس) خلال مؤتمر الجمعية البريطان