أعتقد بأنه مخطئ كل من يعتقد بأن الخلل في التركيبة السكانية هو من أحد الأسباب المعرقلة أو المعوقة لعملية توطين القوة العاملة في القطاعين العام والخاص معاً. ومخطئ كل من يؤمن بأن الخلل في التركيبة السكانية هو مشكلة كبيرة ورئيسية ومعقدة وقد تكون هي وراء العديد من المشاكل وقد يستعصي علينا حلها. ومخطئ كل من يصور الخلل في التركيبة السكانية على أنه كارثة مخيفة وقضية مرعبة لا بد من مواجهتها والتصدي لها. والتساؤلات التي تطرح ذاتها الآن هي: ما المقصود بمفهوم الخلل في التركيبة السكانية ؟ وما الذي يجعلنا نعتقد جازمين بأنها قضية سهلة، وليس لها علاقة مباشرة بقضية التوطين وحلها سهل وبأيدينا وتحت سيطرتنا؟ وما هي إذاً الأسباب الحقيقية التي تعرقل عملية التوطين وتخلق العقبات في طريقه ؟ . فلنتناول كافة هذه النقاط بالشرح والإيضاح.
يقصد بالخلل في التركيبة السكانية تدني نسبة السكان المواطنين وانخفاضها التدريجي مقابل ارتفاع نسبة الأجانب المقيمين في الدولة وارتفاعها التدريجي حيث تشير الإحصائيات إلى أن إجمالي عدد سكان دولة الإمارات قد بلغ في عام 1975 م حوالي 557,887 نسمة، 30% منهم مواطنون و70% أجانب. وفي عام 1985م ارتفع عدد السكان إلى 1,382,464 نسمة، أي بمعدل نمو سنوي بلغ حوالي 9% ، وأن حوالي 29% منهم مواطنون . وفي عام 1995م ارتفع عدد سكان الدولة ليبلغ 2,411,014 نسمة ، أي بمعدل نمو سنوي بلغ حوالي 6% ، وأن منهم حوالي 26% مواطنون وحوالي 74% أجانب . وفي عام 2001 قدر عدد السكان بحوالي 3,488,000 نسمة ، أي بمعدل نمو سنوي بلغ حوالي 5,6% ، منهم حوالي 28% مواطنون وحوالي 72% أجانب . ويعتبر معدل النمو هذا (أي 5,6%) من أعلى معدلات النمو في العالم ، حيث أن معدل النمو العالمي للسكان خلال الفترة 1990 –2000م قدر بحوالي 1,4% حسب إحصائيات الأمم المتحدة . وتجدر الإشارة إلى أن معدل النمو الطبيعي للسكان (أي نمو المواطنين) في الدولة لا يتعدى 1,9% فقط ، أي أن النسبة الباقية وهي 3,7% تعبر عن الزيادة غير الطبيعية للسكان (أي الهجرة الأجنبية). وعلى الرغم من الفجوة الكبيرة بين معدل النمو الطبيعي للسكان ومعدل الهجرة إلا أن الدولة قد تمكنت بالفعل من السيطرة إلى حد ما على معدل النمو الإجمالي للسكان وتخفيضه. وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة القوة العاملة الوطنية قد بلغت بشكل عام 9% فقط في عام 1995م في حين بلغت نسبة القوة العاملة غير الوطنية 91%. ومن المتوقع أن تنخفض نسبة القوة العاملة الوطنية إلى 8,6% في عام 2000م ثم إلى 7,9% في عام 2005 م وفقاً لمعدلات نمو الهجرة الخارجية ومستوى معالجة الدولة لقضية التوطين في الوقت الذي تمت فيه هذه التنبؤات. فحتى هذه اللحظة من التحليل يرى القارئ أن هذه الأرقام مزعجة بالفعل ومخيفة، فما الذي يجعلنا نقلل من هذا الروع وننظر إليه ببساطةٍ إذاً ودونما تحيز؟
في الحقيقة لو رجعنا إلى عقد السبعينيات من القرن العشرين وبشكل خاص النصف الأول منه وألقينا نظرةً فاحصةً على التركيبة السكانية من حيث الكم والنوع كذلك سوف نجد أنه ومع الأفضلية النسبية لنسبة المواطنين من حيث الكم في ذلك الوقت مقارنةً باليوم إلا أنه من حيث النوع سوف نجد بأن معدل الاعتماد على العنصر الأجنبي الوافد كان أكبر بكثير مما هو عليه اليوم . فكان الوافدون يسيطرون على مناصب مهمة وحساسة للغاية في الإدارة الحكومية وفي القطاع الخاص معاً، حتى أن بعضهم قد كان بدرجة وكلاء وزارات ودبلوماسيين وضباط ومستشارين وقادة في مختلف الأجهزة الأمنية والاستراتيجية والإدارية والتنظيمية والبلديات والوحدات الاقتصادية والإنتاجية والأجهزة التربوية والأجهزة الصحية في الدولة، في الوقت الذي كان فيه عدد المواطنين المتعلمين محدودا للغاية ، بل إن نسبة الأمية كانت هي الطاغية. ولم تكن لدينا تكنولوجيا متطورة حتى نتمكن من خلالها رفع مستوى الأداء ومستوى إنتاجية العامل والموظف ومراقبة مستوى أدائهم والإشراف عليه بالاستعانة بالتكنولوجيا. ولقد مرت على الوطن العربي بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص أزمات كثيرة، ومتغيرات سياسية واقتصادية وأمنية واستراتيجية أساسية وهيكلية كثيرة أيضاً خلال الأربعة عقود الأخيرة من القرن العشرين ومطلع القرن 21 . بيد أنه بفضل من الله ورحمته وفي ظل القيادة الحكيمة الرشيدة والحكمة البالغة لصاحب السمو رئيس الدولة وإخوانه الحكام حفظهم الله جميعاً تمكنت الدولة من اجتياز كافة الأزمات والمتغيرات التي مرت بها المنطقة دون أن تؤثر عليها تلك الأزمات تأثيراً سلبياً يذكر، ودون أن تزحزح من ثوابتها وقيمها الأصيلة وغاياتها الراسخة. والحقيقة أن مستوى أداء الوافدين وإخلاصهم في عملهم في تلك الحقبة العصيبة من عمر الدولة كانت ممتازة. ولم يتم تسجيل أية مشاكل إدارية أو أمنية أو مالية أو اقتصادية أو اجتماعية إلا ضمن المعدلات العالمية الطبيعية المعقولة. وقد تمكنت الدولة بالفعل خلال الحقبة الماضية من تحقيق معدلات توطين م