باستثناء حادث واحد عارض، يبدو أن "هاوارد دين" قد بدأ معركة السعي إلى الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي له في معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ويبدو أنه أيضاً سيواجه "جورج دبليو بوش" في المعركة التي ستدور في شهر نوفمبر المقبل للفوز بأقوى منصب على الإطلاق في العالم كله، باعتبار أنه يتمتع بفرصة مبرّرة ومعقولة لتحقيق الفوز.
قبل بضعة أشهر، كان "دين" من الناحية العملية نكرة مغمورة، فهو سليل أسرة تقليدية ثرية سار على خطى والده وجدّه فدخل المدارس الخاصة ثم التحق بجامعة "يال" العريقة ثم بدأ حياته المهنية في قطاع التمويل في أوساط "وول ستريت". غير أنّه بعد مضي بضع سنين ترك عالم جني الأموال وقرّر دراسة الطب فصار طبيباً كما أراد. وقد خدم على مدى السنوات الإحدى عشرة الماضية في منصب حاكم ولاية "فيرمونت" الصغيرة الواقعة في الشمال الشرقي من الولايات المتحدة، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 60 ألف نسمة، ولها ميزانية سنوية تبلغ مليار دولار فقط. وقد يقول الكثيرون إن هذه الحياة المهنية تكاد لا تكون المسار الصحيح الذي يؤهل رجلاً يريد أن يصبح رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم.
لكن "دين"حقق لنفسه التميز في منصب حاكم "فيرمونت" بتشجيع قطاع الرعاية الصحية وصيانة الأراضي وبالترويج لحقوق الشواذ جنسياً، وبفرض ضرائب على البلدات الغنية لتوفير التعليم في البلدات الفقيرة، وكذلك بتبني برامج أخرى "تقدمية من الناحية الاجتماعية." غير أن "دين" محافظٌ أيضاً من الناحية المالية، حيث حقق توازن الكفتين في ميزانية الولاية- وهي حالة نادرة قلّما تحدث في الولايات الأميركية. وما يزال أمام "دين" عقبات عديدة ينبغي عليه أن يزيلها قبل الفوز بمنصب مرشح الحزب الديمقراطي الرئاسي، لكنه يبدو ماضياً في هذا المسار دونما شيء يكبحه؛ فمن المتوقع أن يفوز في انتخابات الحزب في ولاية "أيوا" يوم 19 يناير، وفي ولاية "نيوهامبشاير" بعد ذلك بثمانية أيام، وبذلك يكون قد أخرج من حلبة السباق العديد من المرشحين الديمقراطيين الآخرين من أمثال "جون كيري" و"جوزيف ليبرمان" و"ديك جيبهاردت". على أن منافسه الرئيسي ربما يكون القائد السابق لقوات حلف الناتو الجنرال "ويسلي كلارك."
لكن "دين" حقق سلفاً انطلاقة قوية. ففي الأشهر القليلة الماضية، ومن خلال الإنترنت بوجه عام، حقق نجاحاً مدهشاً واسع النطاق في جمع التمويل لحملته الانتخابية وفي استقطاب وحشد التأييد الأساسي. وبدلاً من التعويل على المساهمات والتبرعات المالية الكبيرة من الشركات والمتبرعين الأثرياء، يستمد "دين" الدعم والتأييد من الأفراد العاديين. وقد انتشرت على نطاق واسع تقارير تفيد بأن حجم متوسط التبرع بلغ 77 دولاراً من خلال الإنترنت. ولم يسبق لأي مرشح آخر أن استعان بالإنترنت على هذا النحو. وقد أدى إنشاء مواقع مثل MoveOn.org وmeetup.com على الشبكة العنكبوتية إلى توليد عشرات الآلاف من مجموعات المؤيدين لـ"دين" في أرجاء الولايات المتحدة كلها.
وقد دأب "دين" على شنّ حملته بلا كلل ولا ملل، وبرز كمرشح نشيط واثق بنفسه وصريحٍ فصيحٍ يبدو أنه كسب قلوب مئات الألوف لا بل الملايين من الأميركيين الشباب الذين يقول الخبراء إنهم سيشكلون في نوفمبر شريحة الناخبين المهمة الذين لا يدلون بأصواتهم لحزب سياسي واحد. ويعني ذلك أن هذه الشريحة قادرة على وضع "دين" في البيت الأبيض.
وقد تلقّى "دين" التأييد من "آل غور" نائب الرئيس السابق، وفي الأيام القليلة الماضية حظي بتأييد "كارول موسلي براون"، وهي سيناتور سابقة من السود عن ولاية "إيلينوي"( 1992-1998) والتي كانت أيضاً تنافس للفوز بمنصب المرشحة الديمقراطية الرئاسية، لكنها انسحبت لصالح "دين". ومن الممكن لتأييد "براون" أن يساعد "دين" على الفوز بأصوات الناخبين السود في الولايات الجنوبية.
فهل سيكون الرئيس المقبل "هاورد دين" مناسباً للعرب ؟
التقى "دين" بزوجته "جوديث شتاينبيرغ" اليهودية على مقاعد كلية الطب أيام الدراسة، وهي طبيبة مثل زوجها ويبدو أنها تكرس نفسها تماماً لخدمة حياتها المهنية. ومن الواضح أن "جوديث" لم تلعب أي دور في حملة زوجها الانتخابية. لكن من أكثر ملامح تلك الحملة إدهاشاً أن "دين" مناهض لمشروع تقليص الضرائب الذي طرحه "بوش" وأنه مناهض أيضاً لحرب "بوش" التي شنّها من جانب واحد في العراق. ويضاف إلى ذلك أن "دين" هو المرشح الوحيد الذي ثبت منذ البداية على موقفه المعارض للحرب؛ وقد أعلن خلافاً للاعتقاد السائد أن "القبض على صدّام حسين لم يجعل أميركا أكثر أماناً." وفي خطاب ألقاه في "لوس أنجلوس" بعد وقت قصير على اعتقال صدّام، أعلن "دين" أيضاً أن الصعوبات والمآسي التي واجهناها في العراق تبرهن على أن الإدارة (الأميركية) قد شنّت الحرب على الطريقة الخطأ وفي التوقيت الخطأ ومن دون تخطيط وافٍ وملائم، ومن دون المساعدة الكافية، وبتكلفة لا يمكن لعقل أن يصدّقها."
وقد اقترح "دين" أن على الولايات المتحدة أن تكون أكثر "إنصافاً" في التعامل مع ال