لقد استخدم "بوش" نفوذه في تغييب حقيقة ذرائع شن الحرب عن الكونجرس والشعب الأميركي كله. فهل نعيد انتخاب رئيس مخادع؟
بين مجمل قضايا الصراع التنافسي المطروحة في هذا العام الحاسم الجديد, يكتسب قرار شن الحرب على العراق أهمية ومكانة خاصة. والحقائق المتوفرة لدينا, تكشف كم كان ذلك القرار مخادعا ويفتقر للنزاهة. فكما أكد بول إتش. أونيل وزير الخزانة السابق مؤخرا, فقد بدأ التفكير في اتخاذ قرار عسكري ضد العراق بعد مدة وجيزة من تسلم الرئيس بوش مهامه في البيت الأبيض. وكان من رأي البعض في الإدارة, أنه كان بالإمكان السيطرة على صدام حسين عن طريق احتوائه, دون الحاجة لشن حرب عليه. وبعد مضي شهر واحد على تدشين إدارة بوش, كان وزير الخارجية الحالي كولن باول قد صرح قائلا: لقد تمكنا من احتوائه والسيطرة عليه حبيسا داخل قفصه. وفي اليوم التالي مباشرة, صرح باول قائلا إن صدام حسين لم يتمكن بعد من تطوير أي قدرات تتصل بأسلحة الدمار الشامل.
غير أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001, هي التي أعطت دعاة الحرب, المفتاح الضائع الذي كانوا يبحثون عنه. فما أن وقعت الأحداث, حتى سارع هؤلاء لاختلاق علاقة ما بين صدام حسين وتنظيم القاعدة والهجمات الإرهابية التي وجهت للبلاد. ومن جانبه فقد أنشأ دونالد رامسفيلد مكتبا للعمليات والخطط الخاصة في وزارة الدفاع البنتاجون. مهمة هذا المكتب هي تحليل المعلومات الاستخباراتية الخاصة بالحرب, والتحايل على عقبة الرقابة والإجراءات التقليدية. أما نائب الرئيس ديك تشيني, فقد اعتمد على المعلومات الاستخباراتية التي استقاها من المنفيين العراقيين, ومارس على أساسها الضغط على أجهزة المخابرات الأميركية, كي يحصل على النتائج المرجوة.
يذكر أن الحرب على أفغانستان كانت قد شنت في شهر أكتوبر من عام 2001, بموافقة كبيرة من الكونجرس والرأي العام الأميركي. أما التخطيط للحرب على العراق, فقد تم معظمه وراء الكواليس والأبواب المغلقة. وكان الرئيس بوش قد واصل السير في النهج الذي أعلنه في خطابه الذي تلاه في حديقة الورود في السادس والعشرين من نوفمبر 2001, الذي جاء فيه: إن الحرب على أفغانستان, ليست سوى البداية. بعد ذلك بثلاثة أيام لا أكثر, شرع نائبه ديك تشيني, في بعث رسائل واضحة عن شن هجوم عسكري محتمل على العراق. فقد نقل عنه تصريح في التاسع عشر من الشهر نفسه جاء فيه: لا أظن أنه سيغيب عن فطنة أحد أن صدام حسين يمثل مصدر قلاقل محتملة لمنطقة الشرق الأوسط وللولايات المتحدة ولكل من له اهتمام بالمنطقة بأسرها. وفي الثاني عشر من ديسمبر, رفع تشيني ترمومتر التهديد بقوله: فيما لو كنت صدام حسين, فسوف أتوخى الحذر في التفكير في المستقبل, وسوف أتمعن جيداً فيما حدث لحركة طالبان الأفغانية.
تلا ذلك العرض الشخصي الذي تطوع به كارل روف, الذي أعرب عن دوره في لحظة تجلٍ سياسي نادرة, أثناء حديث له أمام اللجنة القومية للحزب الجمهوري. ماذا قال روف في التاسع عشر من يناير 2002؟ " قال: إن في الإمكان استغلال الحرب على الإرهاب سياسيا"!
بعد ذلك بعشرة أيام, تلا الرئيس بوش خطابه " عن حالة الاتحاد" وصرف فيه النظر عن حربنا على تنظيم القاعدة بالحديث عن دول " محور الشر". أما من حيث الشكل والمحتوى, فقد تضمن الخطاب اثنتي عشرة فقرة عن أفغانستان, وتسع عشرة فقرة عن الحرب على الإرهاب. يلاحظ أن ذكر تنظيم القاعدة قد ورد عابرا مرة واحدة لا أكثر في الخطاب نفسه, بينما التزم الصمت تماما عن أي شيء له صلة بحركة طالبان أو أسامة بن لادن.
وفي غضون الأشهر القليلة التي تلت ذلك الخطاب, دارت الدائرة على أولئك الذين كان رأيهم أن صدام حسين لا يمثل أي خطر أمني محتمل. ففي الثاني عشر من سبتمبر, خاطب الرئيس بوش الجمعية العامة للأمم المتحدة بقوله: إن من المرجح أن لدى العراق كميات معتبرة من غازات VX والخردل وغيرها من المواد الكيماوية المساعدة, فضلا عن مساعيه الحثيثة لشراء كميات من أنابيب الألمنيوم واليورانيوم المخصب الذي يستخدم في تطوير الأسلحة النووية. وأضاف بوش قائلا إن في مقدور العراق تطوير قدرات نووية خلال عام واحد من تاريخ الخطاب المذكور, فيما لو تمكن صدام من الحصول على ما يلزم من مواد لذلك الغرض.
السؤال الذي لا بد من إثارته هو أن الحرب على العراق كانت قادمة لا محالة, ولكن لم التصريحات عنها في سبتمبر؟ فكما قال أندرو كارد , رئيس أركان الحرب في البيت الأبيض, فإن وجهة النظر التسويقية لا تبرر لك أن تعرض بضاعتك الجديدة في أغسطس! وقد كانت الحملة الانتخابية لعام 2000, تدق على الأبواب, وتضرب بقوة على وتر القضايا الداخلية الحساسة. وكان طبيعيا أن تطغى السياسات الانتخابية على سياساتنا الأمنية والخارجية على حد سواء. لذا فقد ألحت إدارة بوش على إجراء تصويت على الحرب داخل الكونجرس, قبل أن ترفع جلسات هذا الأخير, بمناسبة الانتخابات التكميلية التي جرت وقتها. ولكن لماذا هذا الإلحاح؟ الإجابة هي أن الحوار حول الحرب, سيصرف النظر عن جوانب