مع توارد الأنباء عن مبادرة جديدة تعدها بريطانيا لإخراج عملية السلام من المأزق الحاد الذي أوصلها إليه التعنت الإسرائيلي، يقفز إلى الأذهان شريط عشرات المبادرات والخطط والاقتراحات التي تمخض عنها عدد من الاتفاقات السرية والعلنية التي لم تحقق أي اختراق جدي في جدار الظلم التاريخي الذي حاق بالشعب الفلسطيني وقضيته، وانما أضاف اليهما العديد من جدران العدوان والتمييز والفصل العنصري، حتى أصبح من المتعارف عليه في أوساط المراقبين السياسيين أن مثل هذه المبادرات يطلقها اصحابها ذرا للرماد في العيون، ومحاولة لتبرئة الضمير من مسؤولية الصمت أمام هذه المأساة·
المبادرة البريطانية، حسبما اعلن وتسرب عنها، ليست جديدة في جوهرها وإنما تمثل محاولة أخرى في سلسلة محاولات كتب لها الفشل لتنفيذ آخر المبادرات المطروحة رسمياً على الساحة الدولية والمعروفة باسم خريطة الطريق·· تلك المبادرة التي تبنتها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة فيما أصبح يعرف باللجنة الرباعية، ولكنها للأسف لم تجد طريقها للتطبيق الفاعل بسبب وحيد هو الرفض الإسرائيلي الرسمي والمعلن لها ثم الموافقة المشبوهة عليها مع 41 تحفظا كافية تماما لنسفها·
وبدلا من الرضوخ للخطة التي تبناها كبار العالم والبدء في تنفيذ بنود الخريطة، اطلقت حكومة اليمين الصهيوني المتطرف في تل أبيب حزمة شروط تعسفية تصب جميعها في ضرورة قيام حرب أهلية فلسطينية تنوب عن إسرائيل في تحقيق حلمها الدائم بتصفية القضية بيد أبنائها إلى الأبد·
وكانت المفاجأة أن تبادر الولايات المتحدة وهي القوة الأكبر الفاعلة في اللجنة الرباعية إلى تبني تلك الشروط الشارونية المتماهية مع الحملة الاميركية لمكافحة الإرهاب في خلط واضح ومفضوح للمفاهيم والأهداف·· ثم جاء تأييد رئيس الوزراء البريطاني أمس الأول لمطالب شارون وشروطه ليزيد من فرص تعنت إسرائيل التي تواصل عدوانها الوحشي على الشعب الفلسطيني وتتوعد قادته سلطة وفصائل بالنفي والإبعاد والقتل·
المأساة الفلسطينية ليست بحاجة لمزيد من المبادرات وانما تكفيها مبادرة واحدة يلتزم اصحابها من الكبار الفاعلين على الساحة الدولية الجدية والرغبة والإرادة الحقيقية لإنهاء هذه المظلمة التاريخية وفق مقررات الشرعية والقانون الدولي·· مبادرة تتوفر لها آلية الإشراف والمتابعة والمراقبة والتنفيذ من المجتمع الدولي·· وبدون ذلك على الجميع أن يوفروا مبادرات رفع العتب التي لا تسمن ولا تغني·