تشهد دول الخليج العربية حركة غير مسبوقة هذه الأيام ممثلة في كثير من المذكرات والندوات الخاصة بالتغيير والتطوير في دول الخليج العربية· ففي الأسبوع الماضي شهدت الكويت مهرجان القرين الخاص بالثقافة ندوة عن دول الخليج والمتغيرات الدولية، وكذلك قطر واليمن، ودولة الإمارات العربية المتحدة حيث شارك بالمؤتمر التاسع لمركز البحوث والدراسات المستقبلية في أبوظبي وكان عنوان الندوة هذا العام الخليج والتحديات المستقبلية·· وحضرت كذلك منتدى التنمية الخليجي في البحرين إصلاح جذري: رؤية من الداخل· وقد قدمت 4 أوراق رئيسية في المؤتمر كلها تعالج قضايا التنمية الخليجية والإصلاحات المطلوبة· في اليوم الأول للمؤتمر قدم الدكتور محمد عبيد غباش من دولة الإمارات العربية المتحدة ورقته وهي تحت عنوان (الدولة الخليجية سلطة أكثر من مطلقة: مجتمع أقل من عاجز) وقد عالج الكاتب في بحثه التفسيرات المتعددة للسلطة في الخليج ومنها ثلاثة مفاهيم مختلفة للسلطة الخليجية وهي نظرية القبيلة لابن خلدون ونظرية الميراثية لعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر والنظرية الثالثة الخاصة بالدولة الريعية العائدة للباحث الإيراني مهداوي· وشرح الكاتب النظريات الثلاث وهل هي فعلاً تفسر ظاهرة السلطة في الخليج؟ فالنظرية القبلية تجد أساسها النظرية بنظريات ابن خلدون الخاصة بالقبيلة أو العصبة القبلية·· بعض الكتاب الغربيون يرون أن الدول الخليجية ما هي إلا قبائل بأعلام، فالمواطن الخليجي لا يشعر بمواطنة في دولة حديثة بل يجد نفسه كعضو في تحالف قبلي واسع·· أما مفهوم فيبر للدولة الميراثية حيث يرى أن الشرعية تتولد بقوة التقاليد والسلطة التي تتعاظم هيبتها بمرور الزمن عليها·· أما مفهوم الكاتب الإيراني مهداوي الذي يرى أن النظام الاقتصادي في الخليج ولد دولة ريعية لا تفرض الضرائب والمكوس على مواطنيها بل تقوم على عكس كل دول العالم بالدفع لهم في دولة الرفاه غير الضريبية وهذه رشوة سياسية مقابل احتكار السلطة في الخليج·· الكاتب فند النظريات الثلاث وخرج بمفهومه الخاص عن أزمة السلطة والتغيير في الخليج·
منتدى التنمية دعا في بيانه النهائي إلى إجراء الإصلاحات المطلوبة في الخليج حيث اختلف المشتركون على ماهية الإصلاح·· وماهية البدايات؟ وما هو المفهوم الحقيقي للتنمية؟ وهل يمكن إجراء الإصلاحات المطلوبة في غياب الديمقراطية الحقيقية ودولة القانون·· وهل يمكن الإصلاح في وجود ديمقراطية شكلية لا تحمي حقوق الأفراد السياسية والاقتصادية؟
الملاحظ من الندوات الثلاث التي حضرتها شخصياً سواء في الكويت أو الإمارات أو البحرين بأنها كلها تدعو للإصلاح وضرورة الحوار الصريح حول الإصلاحات المطلوبة·· وكلها تدعو إلى مشاركة النخبة المثقفة والمتعلمة والناشطين في المجتمع المدني وغيرهم· لكنني أرى ضرورة إشراك أبناء الأسر الحاكمة في الخليج فهم حكام المستقبل وعليهم ستقع مسؤولية الإصلاح الرئيسية·· لقد مضى على النخبة المثقفة وغيرها أكثر من عشرين عاماً وهي تطالب بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة، لكن شيئاً لم يحدث· لذلك نرى ضرورة إشراك أبناء الأسر الحاكمة في الحوار الذي يدور حول الإصلاحات في دول الخليج العربية·· من ملاحظتي القريبة وحضوري لندوات الكويت والإمارات والبحرين أن أفراد الأسر الحاكمة لم يحضروا النقاش الذي يدور في المنتديات الفكرية حول الإصلاح· الاستثناء الوحيد كان في ندوة الإمارات التي عقدت في أبوظبي في الأسبوع الماض حيث شارك الشيخ عبدالله بن زايد بورقة بحثية عن التعليم وتابع حوار مركز الإمارات للبحث والدراسات الاستراتيجية على مدى ثلاثة أيام·
أبناء الأسر الحاكمة دائماً يتعذرون بأن مشاغلهم كثيرة وليس لديهم الوقت الكافي لحضور الندوات المختلفة·· هذا العذر غير مقبول، لأننا نشاهدهم يحرصون على حضور مباريات كرة القدم أو سباق الخيل أو الإبل أو أي أنشطة رياضية أخرى·· هل أصبحت الرياضة في الخليج أهم من مستقبل المنطقة·· وخصوصاً أننا نمر بمرحلة حرجة جداً بوجود قلاقل في الدول المجاورة لنا خصوصاً في إيران والعراق، وكلها سوف تنعكس علينا سلباً أو إيجاباً· ترى متى نتحرك لإصلاح الأمور؟