يتحمل العرب الأميركيون والأوروبيون جانبا كبيرا من عبء الهجوم على العرب والمسلمين عموما منذ أحداث 11 سبتمبر· وخلال الأسابيع القليلة الماضية انشغل العرب في أوروبا وأميركا بحدثين مهمين الأول هو موقف الرئيس الفرنسي من الحجاب في المدارس، والثاني هو الهجوم الصحفي البشع الذي شنه السيد روبرت كيلروي أحد أصحاب البرامج الحوارية في محطة الـ(بي بي سي)· وأكد فيه أن أوروبا ليست مدينة للعرب بشيء وأنهم لم يضيفوا شيئا للحضارة سوى المتفجرات والعمليات الانتحارية واضطهاد المرأة·
ولم يكن هذا هو الهجوم الأول في الصحافة على ثقافة العرب والمسلمين ودورهم في التاريخ وفي الساحة العالمية الراهنة· فالواقع أن موجات الهجوم الشامل هذه تكررت بتواتر واضح خلال العامين الماضيين بصورة خاصة وأصبحت أقل تقيدا بالغلالة الشفافة من الاعتبارات الأخلاقية أو السياسية التي تكونت في الثقافة الغربية الحديثة عند الحديث عن شعوب أو ثقافات بكاملها ضمانا للحيلولة دون انتشار أو صعود العنصرية·
ولكن هذه هي واحدة من المرات القليلة التي يتحمل فيها العرب الأوروبيون والأميركيون العبء الأساسي لهذا الهجوم الثقافي والأيديولوجي والقانوني والتصدي له· فالجاليات العربية في أوروبا والولايات المتحدة ركزت تقليديا على النضال ضد التمييز وخاصة في المجال المدني مثل التمييز في الوظائف وعلاقات العمل والتمييز الذي تمارسه الشرطة في الحياة العادية· ومن المرجح أن الضغوط على العرب والمسلمين في أوروبا والولايات المتحدة سوف يزداد مع الوقت وهو الأمر الذي نلحظه بالفعل بانتشار الدعوة لمنع الحجاب في المدارس العامة من فرنسا إلى عدد من الدول الأوروبية الأخرى·
ويثير هذا كله قضية الاستراتيجية التي تنتهجها هذه الجاليات لمواجهة أو التعامل مع هذه الموجة من الهجوم الرمزي والقانوني· ومن السهل أن ننصح الجاليات العربية في بلاد المهجر بعدم الانجراف وراء منطق رد الفعل· فاستراتيجية رد الفعل تكرس الانطباعات الرائجة والنمطية أكثر مما تعالجها معالجة جذرية· ولكن المهاجرين العرب لا يملكون المفاتيح اللازمة لتصحيح مسار وتطور العالم العربي ذاته من النواحي الثقافية والسياسية· ومن ثم فهم لا يستطيعون تبني استراتيجية فعل تغير معطيات -ومن ثم صورة- المجتمع والدولة في البلاد الأم رغم أن هذه الصورة هي السبب الحقيقي فيما يعانونه من مشاكل في بلاد المهجر·
ويتوزع العرب والمسلمون بين مستويين لرد الفعل أو الاستجابة للهجوم المتكرر على العرب والمسلمين أو على العروبة والاسلام· الأول هو الاستجابة الهادئة والثاني هو الاستجابات الحادة والحاسمة·
وبكل أسف لم يبحث أحد كفاءة ردات الفعل هذه في دراسة علمية من حيث تأثيرها على المجتمع الأوروبي أو الأميركي أو غيره من مجتمعات الاستقبال· فالمطلوب معرفته هو العائد الصافي أو النهائي لمختلف صور الاستجابة من حيث تأثيرها على المصالح العليا للجاليات العربية وحقوقها على المدى الطويل· وكل ما يمكن أن نفعله هنا هو أن نستخدم المنطق والاحساس في المضاهاة بين مستويات رد الفعل أو الاستجابة·
فالاستجابة الحاسمة والقوية عالية الصوت تشمل مثلا المطالبة باستقالة أصحاب التصريحات العدوانية أو السلبية ضد العرب من وظائفهم الرسمية أو العامة أو الهجوم الاعلامي المضاد والذي يشمل اتهامات بالعنصرية والتعصب والجهل· وقد تكاثرت هذه التصريحات الغاضبة ضد مقال كيلروي الأخير· كما أن بعض المنظمات مثل (كير) في الولايات المتحدة تقوم بمتابعة نضالها المناهض للتمييز أو المطالب بالحقوق الدينية بقدر عال من الحدة والنشاط والسرعة في استخدام الأداة القضائية·
ويمكن حشد طائفة من الحجج لتأكيد هذا المستوى العالي من رد الفعل العربي ضد أعمال العدوان الرمزي أو المادي ضد العرب والمسلمين في الغرب عموما· أقوى هذه الحجج مستمد في الحقيقة من تجربة التنظيمات اليهودية عموما والصهيونية بوجه خاص· فهذه المنظمات عادة ما تتبنى استراتيجية رد فعل قوية للغاية ضد أدنى تشكيك في الجماعة اليهودية أو ما تراه (عداء للسامية)، وهي تتوسع في تفسير هذا الاتهام ليشمل أي صورة من صور النقد لليهود أو اسرائيل· وهي تطالب بعقوبات شديدة لكل من يجرؤ على أن ينبس ببنت شفة ناقدا أي سلوك يهودي أو اسرائيلي حتى لو كان هذا النقد آية في الرصانة· وهي ناجحة جدا في استخدام هذا الاسلوب المتشدد، وقد بنت لذاتها حائط صد مانعاً إلى الدرجة التي قد تصيب حتى أكثر السياسيين صلابة وشعبية بهلع حقيقي إذا استهدفته المنظمات اليهودية·
وفيما هو أبعد من هذه التجربة الفريدة سنجد أن النظام القانوني والسياسي في البلاد الغربية لا يحترم سوى الأقوياء وأنه إذا تنازل العرب عن حقوقهم في الدفاع عن أنفسهم بالوسائل القانونية والسياسية فقد يصبحون (ملطشة) كما يقال: أي قد يشجعون كل من هب ودب على توجيه الاتهام لهم أو إهانتهم وإهانة عقائدهم الدينية وهو ما يصل إلى مستوى العنصرية الصريحة أو الاستهداف المعلن كما في حالة كيلروى، إن