ها هو مجند جديد يحمل منشاراً كهربائياً ويسدد نصله إلى قاعدة شجرة الصنوبر ليُحدث حول محيطها قطوعاً مدروسة بعناية، في حين يراقبه من بعيد رجال كثيرون من بينهم امرأة. خلف هذا المتدرب مباشرةً يقف مدربه (ساكهومزي سيدوكوانا) ليعطيه إشارة البدء. ويتراجع الجميع إلى الوراء في ترقب، ومع انتهاء إحداث الجرح القاطع الأخير تهوي الشجرة إلى الأرض لتستريح عليها قامتها التي بلغ طولها 40 قدماً.
وبعين الرضا ينظر السيد (سيدوكوانا) إلى الشجرة الصريعة التي تمددت إلى جانب كومة من أخواتها، ويقول إن المجموعة الجديدة من المتدربين تحرز تقدماً.
كان هؤلاء المتدربون جميعاً عاطلين عن العمل منذ أسابيع قليلة، لكنهم الآن صاروا مجندين في برنامج ترعاه الحكومة أطلقوا عليه اسم (العمل من أجل الماء)، وفيه يتقاضون أجراً مقابل شن حرب شعواء على أشجار الصنوبر وغيرها من النباتات التي غزت الغابات وباتت تتهدد التنوع الاحيائي ومصادر المياه في هذه المنطقة.
يوظف هذا البرنامج الأشخاص العاطلين عن العمل ليقوموا بإزالة النباتات الضارة عن سفوح التلال والجبال وضفاف الأنهار، وهو يمثل الجهود الأكثر شمولاً على نطاق العالم كله ويهدف إلى معالجة التهديد الذي تشكله الأنواع الحية الضارة التي تجتاح البيئة على حد قول الخبراء.
في كل سنة، تهاجر أعداد لا حصر لها من النباتات والحيوانات والحشرات ما بين قارات الأرض وتتسبب بحدوث عواقب كارثية؛ ومن المعلوم أن النباتات الغازية وحدها تكلف الولايات المتحدة وحدها نحو 7 مليارت دولار كل سنة.
وتأتي بعض الأنواع الضارة على هيئة حيوانات مدللة ونباتات زينة، في حين تأتي أنواع أخرى منها محمولة من قارة إلى قارة مع المنتجات والبضائع المستوردة، ومنها أنواع تقطع المحيطات محمولة في عنابر سفن وبواخر الشحن.
وفي جنوب أفريقيا هناك أشجار مثل الصنوبر الأميركي والسنط الأسترالي (المعروف أيضاً باسم الأكاسيا أو الطلح)، وهما نوعان من الأشجار الأشد تدميراً وعدوانية لا سيما في الاقليم الجنوبي الغربي من جنوب أفريقيا الذي يتمتع بتنوع احيائي مدهش تهيمن عليه سهول شاسعة وفريدة تغطيها في المقام الأول أعداد هائلة من شجيرات الخلنج ذات الأوراق القاسية التي تميز مملكة النبات في تلك المنطقة. وقد كانت هذه الشجيرات ذات يوم تغطي سفوح التلال في هذا الوادي المدهش الذي تكثر فيه زراعة العنب، غير أن الأشجار الغريبة- ولا سيما الأشجار الحراجية المستوردة لأغراض التشجير التجاري- قد استعمرت مناطق شاسعة من الأرض هناك وباتت تتهدد التنوع الأحيائي والموارد المائية. وقد باتت الأنواع الغريبة الدخيلة تحتل الآن نحو 8% من مساحة أرض جنوب أفريقيا.
وهناك أنواع عديدة من النباتات الغازية الدخيلة المتعطشة للماء، ومنها شجرة الصمغ الأسترالي الأزرق، وهي أنواع تستهلك من الماء كميات تفوق ما تستهلكه النباتات المحلية المستوطنة في هذا الإقليم الذي بات مهدداً بالجفاف؛ فمن المعلوم أن هذه النباتات الغازية تقوم بمص المياه من الجداول والأنهار والمجاري المائية إلى حد تجفيفها تماماً. ويؤدي الحضور القوي الذي حققته هذه النباتات إلى زيادة خطر اندلاع الحرائق في المناطق التي تتهيأ فيها أسباب وظروف الحريق؛ وقد ساهمت بوجودها هناك في اندلاع الحرائق المدمّرة التي اكتسحت السهول المرتفعة الواسعة التي تمتد على سفوح جبال (كيب تاون) في عام 2000·
(إنها مسألة ذات نطاق واسع من المرجح أنه لا يقل عن نطاق مشكلة الاحترار العالمي)، هذا على حد قول (غاي بريستون) رئيس برنامج (العمل من أجل الماء) ورئيس (المشروع العالمي المعني بالأنواع الغازية)، وهي شراكة دولية تأسست في عام 1997 وتتخذ من مدينة (كيب تاون) مقراً لها.
ويضيف (بريستون) قوله: (إن للأنواع الغازية تأثيراً شديداً في الأمن المائي، وفي اندلاع الحرائق والتنوع الأحيائي، وكذلك في استخدام الأرض لأغراض انتاجية...إنها تأثيرات سلبية وضارة ومكلفة جداً بمجملها وتتولد عنها عواقب لا تطاق)·
وتقدم البرامج الشبيهة ببرنامج (العمل من أجل الماء) نموذجاً إيجابياً لمكافحة الأنواع الغازية في كل أنحاء العالم، على حد قول السيد(بريستون). ففي مبادرة جديدة يمولها البنك الدولي، سيبدأ (المشروع العالمي المعني بالأنواع الغازية) هذا الشهر إطلاق جهود تهدف إلى تنسيق الرد العالمي على هذه المشكلة.
ومن الجدير بالذكر أن (برنامج العمل من أجل الماء) قد تأسس في عام 1995 ليكون، بحسب التصورات آنذاك، إجراءً مضاداً يهدف إلى مكافحة الأنواع الضارة والمدمرة، وليعمل على غرار برامج الإصلاح الاجتماعي. ومن المعلوم أن البرنامج يمثل أكبر خطة تطلقها الحكومة لاستحداث الوظائف وفرص العمل، حيث أنه يستخدم أكثر من 21 ألف شخص من بينهم سجناء سابقون وأشخاص مصابون بمختلف أنواع الإعاقات الجسدية. ومن الطريف أن نسبة النساء تشكل أكثر من نصف العدد الإجمالي للمشاركين في هذا البرنامج الضخم، وذلك بموجب توصيات ومطالب الحكومة.
غير أن الأجور التي يتقاضها الع