تزدان حدائق الحيوان عبر الصين، والمدن الصينية المصغرة المنتشرة في الشتات والغرب بآلاف الصور لأنواع عديدة من القرود، شبيهة الإنسان والأقرب إليه من حيث التكوين والحركات·
والـ(قردنة) على وزن (لبننة) و(عرقنة)، لم تأت من فراغ· ففي 22 يناير تبدأ حسب التقويم الصيني سنة القرد، وهي سنة يتفاءل بها الصينيون، بعد عام الجدي الذي يعتبرونه سيئاً· وما علم الغيب إلا عند علاّم الغيوب·
قرأت أن حوامل الصين، يحاولن جاهدات تأخير وضعهن حتى تهل سنة القرد ليكون المولود ذا حظ وفير في هذه الدنيا، وأن الكثير من الشباب والشابات يفضلون عقد قرانهم في هذه السنة بالذات متفائلين بما تحمله لهم أيامها ولياليها·
إلا أن أغرب ما قرأت، وهو لا علاقة له بالحظ الوفير أو البخت الساطع أو النجم اللامع، خبر تظاهرة قام بها مئات من عمال إحدى شركات الطيران الأندونيسية المسرّحين أمام قفص اجتمع فيه قردان من فصيلة (الاورانغ أوتان)، المهددة بالإنقراض عام 2020 وذلك في حديقة حيوانات (راغونان) في جاكرتا· وكان قد سرّح 6 آلاف موظف من إحدى شركات الطيران الأندونيسية المملوكة للحكومة·
التظاهرة لا علاقة لها بالدعوة إلى حماية فصيلة قرود (الاورانغ أوتان)، بل إن العمال اختاروا القرود (الأشبه بالإنسان) للتظاهر أمامها والشكوى، لأنهم لاحظوا أن هذه القرود تخلت عن (اهتماماتها) -أياً كانت- ووقفت تستمع إليهم في حين أن المسؤولين الأندونيسيين وحسب قول العمال وقفوا (صمٌ، بكمٌ، عميٌ) كتماثيل القرود الثلاثة الشهيرة·
قرد (الاورانغ أوتان) الملقب بإنسان الغاب موطنه سومطرة وبورنيو وتتعرض هذه الفصيلة من القردة البطيئة التناسل -8 سنوات بين كل مرة انجاب- لمخاطر الصيد والسرقة وحرائق الغابات وتفتت الأدغال بسبب عملية قطع الأشجار لأغراض تجارية·
قد تتساءلون لماذا الدخول في تفاصيل حياة القرود وأماكن تواجدها ولدينا في العالم العربي عشرات الملايين من الأطفال بحاجة إلى رعاية يا ليتها تصل إلى رعاية قرد في حديقة حيوان ماليزية أو أندونيسية، فما بالك لو كانت عبر القارات وكان مركزها لندن أو غيرها من غابات الإنسان؟
لم أجد في البصرة أو بغداد أو رام الله أو غزة أو بيروت أو أية عاصمة من العواصم العربية التي تصنع فيها المعاناة أو تصنع هي القرار، والتي يخرج فيها الناس في تظاهرات بالآلاف ومئات الآلاف، موطناً لقرد، أو قردة من فصيلة (الاورانغ أوتان)ليقف هؤلاء أمامها يصرخون مطالبين بأبسط حقوقهم الإنسانية والسياسية· حق الإنسان بأن يكون انساناً وليس قرداً، وحق السيادة، وحق الانتخاب، وحق العودة إلى الوطن وحق أن يكون الوطن وطناً حراً مستقلاً قراره بيده وليس بيد ملك الغابة··· وما أدراك ما ملك الغابة·
طالما شرعنا أبواب الغابة وعلى المكشوف، فَلْنَدْعُ القردة علنا نجد من يسمع!