ليست الجروح فقط في الأبدان، بل هي أيضا في الأوطان· جروح الأبدان تؤلم الأفراد، في حين أن جروح الأوطان تؤلم الأمة كلها· جروح الأبدان يمكن مداواتها، فهي موضعية محلية، في حين أن جروح الأوطان يصعب مداواتها لأنها عامة في كل مكان· جروح الأبدان في الأجساد في حين أن جروح الأوطان في الأرواح· وعذاب الروح ووخز الضمير أقسى من آلام الأجساد ووخز الجراح·
الوطن العربي جريح في مختلف أقطاره وتعدد ساحاته، مطعون في كرامته عشر طعنات· كل منها جرح نافذ وقاتل· ومازال الجسد ينزف· ومع ذلك لم يتوقف القلب عن النبض تمسكا بالحياة عبر العصور· المهم الآن إيقاف النزيف، والإسعاف العاجل بعد أن طالت المدة، والجسد العربي ينزف على قارعة الطريق·
الطعنة الأولى الاحتلال، احتلال العراق واحتلال فلسطين ومن دول الجوار احتلال أفغانستان وكشمير والشيشان· فالعروبة قلب الإسلام، والإسلام ثقافة العروبة· ما زال الدم ينزف في العراق· المهم أن يستمر القتال ضد الاحتلال الأجنبي دون نعرات طائفية، سنة وشيعة، أو عرقية، عربا وأكرادا وتركمان· الخطورة تأتي من الفتنة الطائفية، تفجير مساجد كل طائفة من عملاء مرتزقة أو صراع على السلطة في مرحلة ما بعد التحرير، واستباق الأحداث، وترقب الثمرة قبل أن يحين موعد قطافها أو اعتماد سلطة كل طائفة على مقدار ما قدمت من شهداء، شهداء انتفاضة الشيعة في الجنوب بعد تحرير الكويت في 1991، وشهداء انتفاضة المثلث السني في الشمال بعد احتلال العراق· ولما كان الرجل وسبقه في الإسلام كذلك تكون الطائفة· وسبقها في القتال· وكلاهما يعيشان في وطن واحد· المواطنة تسبق الطائفية· ووحدة الوطن أساس التعددية الثقافية· فكيف تتحرك الأعراق الآن لاحتلال مدن محتلة مثل كركوك، فيصبح الاحتلال مضاعفا، احتلال من عرق أو طائفة في الداخل، واحتلال من قوات التحالف في الخارج؟ وطرد العدو المحتل في الخارج له الأولوية المطلقة على الصراع العرقي على سلطة في وطن مازال تحت الاحتلال الأجنبى·
الطعنة الثانية تهديد سوريا وإيران واليوم السعودية ومصر بتكرار النموذج العراقي ولإكمال مشروع الهيمنة الصهيوني على الشام، سوريا بعد العراق والقضاء على المفاعل النووي الإيراني، كما تم تدمير المفاعل النووي العراقي من قبل، ثم السعودية التي تفرّخ الإرهاب، ومصر الشقيقة الكبرى التي ما زالت ظهير السلطة الوطنية الفلسطينية· وبعدها تأتي باكستان بعدوان مباشر من إسرائيل أو بالتعاون مع الهند· والذرائع جاهزة: أسلحة الدمار الشامل في سوريا، تسرب المقاتلين من على الحدود، إيواء بعض رموز النظام السابق، مساعدة >حزب الله<، وجود مكاتب للمقاومة الفلسطينية في دمشق، عدم توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، عدم دخولها بيت الطاعة بعد· وما زالت تمثل نتوءا أو نشازا في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد· ولا أحد يذكر الجولان المحتل، وضرورة تحرير الأوطان، واستقلال الدول، والدفاع عن كرامة الشعوب· والذرائع لباكستان موجودة: قوة الحركات الإسلامية، بقايا تنظيم >القاعدة<، أسلحة الدمار الشامل، تأييد المقاومة الوطنية في كشمير، الديكتاتورية العسكرية·
والطعنة الثالثة انقسام الأوطان وتفتيتها بين شمال وجنوب في السودان، ثم تفتيت الجنوب والشرق والغرب حتى يتشرذم جنوب مصر، وتنشط إسرائيل وأميركا لتهديد مصر بقطع شريان النيل، وبإقامة السدود والخزانات أو بإعادة توزيع حصة المياه· وبالرغم من اتفاقيات السلام وإنهاء الحرب الأهلية إلا أن الخطر ما زال واردا، والتآمر على وحدة السودان وأمن مصر القومي ما زال قائما· ويخطط لتحويل الوطن العربي كله إلى فسيفساء طائفي وعرقي، دويلات وكيانات هشة، سنة وشيعة، مسلمين وأقباط، تركمان وأكراد، عرب وبربر· وهو ما تجاوزه التوحيد بإعلان وحدة الأمة وهويتها الأخلاقية >لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح<· ومن ثم تصبح إسرائيل هي أكبر دولة عرقية طائفية في المنطقة، تستمد شرعيتها من طبيعة الجغرافيا السياسية مثل جاراتها، وليست من أساطير المعاد والشعب المختار كما تصورها هرتزل في >الدولة اليهودية< في أواخر القرن التاسع عشر والتي لم يعد يصدقها أحد· فلا تنشأ الدول والكيانات الوطنية على خرافات وأساطير·
والطعنة الرابعة نظم القهر والتسلط التي مازالت تسود معظم الأقطار والتي أصبحت ذريعة لفرض التحول الديمقراطي على أسنة الرماح وفوهات المدافع وأزيز الطائرات وأصوات القنابل· وليس صعبا على الأنظمة الحاكمة أن تفك حصارها بين المطرقة والسندان، مطرقة التهديد الدولي الخارجي وسندان الضغط الشعبي الداخلى· مازال حكامنا أطول الحكام عمرا واستمراراً في الحكم، توريثا باسم قريش أو انقلابا باسم الجيش· لا يعرفون إلا توارث الحكم وليس تداول السلطة· ملفات حقوق الإنسان في الأوطان ثقيلة، وعدد المسجونين السياسيين والهاربين والقانطين في الخارج في بؤر للمعارضة تنتظر العودة على أسنة الرماح يتزايد باستمرار· والحزب الحاكم ما زال يستحوذ على الأغلبية المطلقة، تكاد تقترب من مائة في