في مثل هذا الشهر من أربعين عاما فجر كبير الجراحين الأميركيين قنبلة مدوية عندما قال إن السجائر (تمثل خطرا صحيا على قدر من الأهمية بما يبرر اتخاذ إجراءات لمعالجته)· وبناء على ذلك قام ذلك الجراح بإصدار دعوة إلى الأطباء بالعمل على مقاومة هذا الوباء الجديد. وبقيامه بذلك فإنه يمكن أن يقال إنه هو الرجل الذي دشن الحرب الحالية على التدخين. بيد أن الشيء السيئ للغاية هو أن تلك الحرب قد منيت بإخفاق ذريع، ربما يكون هو الأسوأ في التاريخ الصحي للولايات المتحدة الأميركية .
فسرطان الرئة، وعلى رغم أن نسبة الإصابة به قد انخفضت بنسبة 14 في المئة في كاليفورنيا، لا يزال يمثل خطرا مميتا على المستوى الوطني، ليس هذا فحسب بل إنه فاق سرطان الثدي باعتباره المرض القاتل الرئيسي بين النساء. يبلغ عدد المدخنين في أميركا في الوقت الحالي حوالى 46.2 مليون مدخن، كما يبلغ عدد من يموتون سنويا
بسبب أمراض لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالتدخين حوالى 400 ألف شخص. علاوة على ذلك أثبتت الأبحاث أن الأميركيين الذين يدخنون سجائر (المارلبورو) هم اليوم من الفئات الأصغر سنا مقارنة بما كان عليه الحال في الماضي. وعلى رغم النقص في أعداد البالغين الأميركيين المدخنين، فإن هذا النقص قد عوضته الزيادة الهائلة في عدد المدخنين الأميركيين في فئة المراهقين السنية عبر العقد الأخير. ويرجع سبب بطء التقدم الذي تحققه جهود مكافحة التدخين في الولايات المتحدة إلى خليط من الأسباب.
يأتي على رأس القائمة السبب المتعلق بأن صناعة التبغ في أميركا تتمتع بنفوذ سياسي، كما أنها تدفع مبالغ مغرية كرشاوى للقوى التي يفترض وقوفها في الصفوف الأولى لإنهاء وباء التدخين. تتمثل هذه القوى في أعضاء الكونجرس من الحزبين، ووسائل الإعلام، والمنظمات الطبية، وهيئات التدريس، وهي قوى كانت متلقية على الدوام لمكارم وعطايا من صناعة التبغ، وبالتالي فإنها لم تكن على استعداد لعض اليد التي تطعمها.
في الوقت نفسه وجدنا أن السلطات الصحية قد راحت تتنقل من حملة تكلف عدة ملايين من الدولارات إلى حملة أخرى تكلف أكثر من ذلك، ثم تقنع في النهاية بالتوصل إلى اتفاقيات مع صناعة التبغ تقوم الأخيرة بصياغة بنودها. وهكذا فإننا نجد أن الحركة المضادة للتدخين لا تزال حتى الآن تتخبط في الفيافي، وفي حالة من التوهان وفقدان التركيز والتشظي .
من المؤكد أنه كان هناك قدر من التقدم، من أبرزه حظر التدخين في الطائرات، وحظر الإعلان عن التدخين في التلفزيون والإذاعة، بل وحتى عن طريق الملصقات.
على رغم ذلك يمكن القول بشكل عام إن صناعة التدخين قد ظلت في مقعد السائق، أي ظلت هي الجهة المتحكمة في مجريات الصراع، خلال الأربعين عاما الأخيرة، مما مكنها من تحويل أي ضرر محتمل إلى فائدة لها. على سبيل المثال، عندما قام الكونجرس بحظر الإعلان عن السجائر في وسائل الإعلام المذاعة عام 1971، فإنه فعل ذلك بناء على طلب من شركات التبغ ذاتها! التي كانت مبيعاتها قد انخفضت بسبب الإعلانات التي تحذر من مخاطر التدخين خلال الفترة 1967-1970، والتي كانت تتم تحت رعاية جمعية السرطان الأميركية. فحظر الإعلان عن السجائر في وسائل الإعلام المذاعة، كان يعني في الوقت نفسه أن إعلانات الجهات المناوئة للتدخين والتي كان يخصص لها مدد مجانية في أوقات الذروة في تلك الوسائل الإعلامية.. قد اصبح لا داعي لها. ولم تكتف شركات التبغ بذلك، بل إنها دشنت استراتيجية جديدة تمثلت في رعاية الفعاليات الرياضية التي جعلت ماركات السجائر الأميركية العالمية الشهيرة علامة مميزة، يتم وضعها على سيارات السباق على سبيل المثال. وحدث شيء مثل هذا في الفعاليات الثقافية مثل حفلات الموسيقى والمعارض الفنية، التي كانت تنظم تحت رعاية شركات التبغ.
أما (كاليفورنيا) فقد اتبعت طريقها الخاص والمبتكر الذي نتج عنه أن نسبة انخفاض معدلات التدخين ومبيعات السجائر في الولاية قد فاقت الولايات الأخرى، وذلك كما يتبين من الإحصائيات الخاصة بجمعية أمراض الرئة الأميركية. ويرجع هذا النجاح إلى حد كبير إلى حركة شعبية محلية، تتميز بقدر فريد من المواظبة، كانت مسؤولة عن حظر التدخين في أماكن العمل الحكومية والخاصة، ومحلات البيع بالتجزئة، ومراكز العناية بالطفل، والمراكز الثقافية والترفيهية، والمطاعم والحانات.
وفي عام 1987، قام حلف صغير مكون من بعض المنظمات والمؤسسات الصحية، بإقناع الناخبين في (كاليفورنيا) بالموافقة على تمرير ما عرف باسم (المقترح رقم 99) وهو عبارة عن مقترح بفرض ضريبة على السجائر يخصص عائدها لتمويل جهود الأبحاث الطبية، ولبرامج التوعية بمخاطر التدخين وغيرها من البرامج ذات الصلة.
كانت تلك فكرة عظيمة في البداية ، ولكن بمرور الوقت طفت على السطح بعض المشاكل المتعلقة بالكيفية التي سيتم بها إنفاق الأموال المتحصلة من تلك الضرائب. وهكذا فإن الحملة المناوئة للتدخين، والداعية للمحافظة على الصحة العامة وحمايتها من مخاطر التدخين، تحولت في النهاية إلى ص