يُستخدم مصطلح (كره اليهودي لنفسه) في الأدبيات الصهيونية للإشارة إلى اليهودي الذي يأخذ موقـفاً معادياً للصهيونية، وذلك من قبـيل إرهابهم أو تهميشهم. وتطرح الصهيونية نفسها باعتبارها العقيدة التي حررت اليهود من كُرههم لأنفسهم وزادت احترام الشعوب لهم، وزادت بالتالي من احترامهم لأنفسهم. ولكن الدارس المدقق سيكتشف أن الصهيونية إنما هي تعبير عن كُره اليهودي لذاته، فهي تَصدُر عن نقد عميق لما يُسمَّى (الشخصية اليهودية التقليدية)، وتحاول إصلاحها وتخليصها مما يتصوره الصهاينة هامشيتها وخضوعها بل تحاول تطبيعها، بحيث يصبح اليهود مثل الأغيار وتصبح الدولة الصهيونية دولة مثل كل الدول.
ويمكن القول إن المشروع الصهيوني هو في جوهره مشروع لمساعدة أوروبا على التخلص من فائضها اليهودي. وتوجد في الكتابات الصهيونية عديد من الإشارات إلى اليهود باعتبارهم باكتيريا وحيوانات طفيلية. ويتم التخلص من اليهود بالطريقة البلفورية في معظم الأحيان، أي عن طريق شحن اليهود إلى فلسطين بدلاً من معسكرات الاعتقال والغاز. ولكن ثمة حالات تعاون فيها الصهاينة في التخلص من اليهود على الطريقة النازية، ومن هؤلاء، ألفريد نوسيج أحد مؤسسي الحركة الصهيونية مع هرتزل، وأهم شخصية يهودية صهيونية متورطة في التعاون مع النازيين، وهو فنان وشاعر وموسيقار من أصل بولندي وخلفية ثقافية ألمانية، كانت مواهبه متعددة ومتنوعة عبَّر عنها من خلال الأدب (قصائد ومسرحيات ومقالات في النقد الأدبي) والموسيقى (لبريتو لإحدى الأوبرات) والنحت (عُرضَت تماثيله في معظم أرجاء أوروبا وذاعت شهرته كنحات)· ويُعتبَر نوسيج واضع أساس علم الإحصاء الخاص بالجماعات اليهودية، فنشر أعمالاً بين عامي 1887 و1903 ووضع أساس إنشاء المعهد الإحصائي والسكاني (الديموجرافي) اليهودي. وقد بدأ حياته، شأنه شأن معظم الزعماء الصهاينة خصوصاً المنحدرين من أصل ثقافي ألماني، بالمطالبة بالاندماج الكامل لليهود، ثم أصبح محرراً في إحدى الصحف البولندية. وفي عام 1887، نشر نوسيج كتيباً بعنوان محاولة لحل المسألة اليهودية بـ(البولندية)، حيث اقترح إنشـاء دولة يهودية في فلسطين والدول المجاورة.
وقد يتصوَّر البعض أن ثمة تناقضاً بين نزعة نوسيج الاندماجية الأولى ونزعته الصهيونية بعد ذلك. ولكن هذا النمط معروف تماماً بين مؤسسي الحركة الصهيونية، ولا سيما أصحاب الخلفية الثقافية الألمانية. فهؤلاء يهود غير يهود، بمعنى أنهم حاولوا الاندماج بل الانصهار في الأغلبية لرفضـهم لهويتهـم اليهـودية (الدينية والعرْقية). ولكـن المجتـمع صــنفهم (يهوداً) بالرغم من ذلك. ولهذا، أخذوا يبحثون عن طريقة أخرى للتخلص من اليهود، ووجدوا ضالتهم في الحل الصهيوني، الذي يرمي إلى نقل (ترانسفير) يهود أوروبا خارجها، إلى أن يفرغها من يهودها في نهاية الأمر. وقد تصوروا أن هذه العملية ستقضي على الفائض البشري وتُسهِّل اندماج القلة التي ستبقى.
وفي عام 1908، أسس نوسيج منظمة استيطانية تُسمَّى إيكو AIKO للتعجيل بنقل اليهود، ولكنه أخفق على ما يبدو في محاولة نقل اليهود على الطريقة البلفورية، فقرر نقلهم على الطريقة النازية (أي الإبادة)، فاتجه إلى التعاون مع النازيين، فعمل كمخبر للسلطات النازية إبان الحرب العالمية الثانية، وعيَّنه تشيرنياكوف، رئيس مجلس اليهود في وارسو إبان حكم النازي، عضواً في المجلس ورئيساً لقسم الفنون. ونظراً لمعرفته الوثيقة بأعداد اليهود وتوزعهم ومراحلهم العمرية المختلفة (بسبب دراساته التي سبقت الإشارة إليها)، ونظراً لرغبته العميقة في إفراغ أوروبا من يهودها، وضع نوسيج خطة متكاملة لإبادة اليهود الألمان المسنين والفقراء (غير النافعين) وتهجير الباقين أو إبادتهم. وقد اكتشف أعضاء المقاومة اليهودية في جيتو وارسو تعاونه مع النازي وأنه عضو في الجستابو، فحُكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص ونُفِّذ الحُكم في 22 فبراير 1943· وقد اختفى نوسيج تماماً من الأدبيات الصهيونية والغربية، لأنه يُعد نموذجاً جلياً يفضح المشروع الصهيوني باعتباره مشروعاً ينبع من كُره عميق لليهود ورغبةً في التخلص منهم.
ومن أهم الصهاينة الذين تعاونوا مع النازيين رودولف كاستنر، أحد زعماء الحركة الصهيونية في المجر، والذي ترأس عدداً من المنظمات الشبابية الصهيونية، ورأس تحرير مجلة (أوج كيليت) Uj Kelet (أي (الشرق الجديد))، وكان نائب رئيس المنظمة الصهيونية في المجر، ثم أصبح مسؤولاً عن (إنقاذ) المهاجرين اليهود من بولندا وتشيكوسلوفاكيا، إذ كان يشغل منصب رئيس لجنة الإغاثة في بودابست التابعة للوكالة اليهودية.
قام كاستنر بالاتصال بالمخابرات المجرية والنازية (التي كان لها عملاء يعملون داخل المجر، حتى قبل احتلال القوات الألمانية لها)، ثم استمر في التعاون مع النازيين بعد احتلالهم للمجر. وتشير بعض الدراسات إلى أن أيخمان حضر إلى المجر ومعه 150 موظفاً وحسـب، وكان يتبعه عدة آلاف من الجنود المجريين، هذا بينما كان عدد يهود المجر يزيد على 800 ألف،