عندما أطلق الرئيس الاميركي جورج بوش تصريحه حول العقود في العراق وحصرها بالدول (التي عرضت أبناءها للخطر) للتخلص من النظام، دار نقاش واسع حول قانونية هذا الموقف واعتبره البعض سابقة في التعاطي الدولي، كما تفهّمه البعض الآخر على اعتبار أن أميركا خاضت الحرب التي عارضتها دول معينة، وتحملت أميركا المسؤولية منفردة وهي تحتل العراق ومن الطبيعي أن تحتكر القرار في السلم بعد المغامرة في احتكار قرار الحرب، وبالتالي أن تحتكر مغانم الحرب في مرحلة السلم!
إلا أن الواقع ليس كذلك فعلياً· فجولة أعضاء مجلس الحكم الانتقالي على عدد من الدول الأوروبية والعربية أكدت أن العراق ليس مقفلاً أمام الدول التي لم تشارك في الحرب، أو اعترضت عليها·
ففي فرنسا كان تأكيد لرجال الأعمال الفرنسيين أن الباب مفتوح أمامهم للاستثمار انطلاقاً مما قاله بعض أعضاء المجلس للرئيس شيراك وغيره من المسؤولين الفرنسيين: (لقد شاركتم في التصويت على القرار 1511 القاضي بإنشاء سلطة التحالف· لكنكم انكفأتم بعد ذلك وانسحبتم من الساحة وتركتم الاميركيين وحدهم ولا نرى في ذلك حكمة أو مصلحة)! وعلى هذا الأساس ندعوكم إلى العودة إلى الساحة العراقية، والعمل في ظل الواقع الجديد، على القرار الذي أيدتم ونؤكد لكم أن أبواب الاستثمار مفتوحة أمام شركاتكم في الوقت ذاته·
وقد أعقب ذلك تأكيد فرنسي على لسان الرئيس شيراك، على أن فرنسا ستعيد النظر في الديون العراقية، وسيكون قرار من نادي باريس في هذا المجال· ثم جاء وزير الخارجية الاميركي الاسبق جيمس بيكر المكلف بملف الديون العراقية، إلى فرنسا وسمع من الرئيس شيراك التأكيد ذاته وكرت سبحة الدول المعنية بهذا الملف والتي زارها بيكر وأكدت جميعها أنها ستعيد النظر أيضاً بديونها في العراق وستلتزم بما يقرره نادي باريس· ولا شك في أن مثل هذه الخطوة تخفف أعباء كثيرة عن العراقيين، وتشرك الدول المعنية بدفع ضريبة الحرب، حتى ولو أن بعضها مثل فرنسا تحديداً كان ضدها! وهذا يريح الأميركيين ·
الموضوع ليس هنا·
الموضوع، هو أن أميركا ومسؤولين أمنيين وسياسيين وماليين فيها، يبحثون في كيفية تخفيف الديون، لكنها تغرق في بحر من الاتهامات والاتهامات المتبادلة حول كيفية التصرف بالمال العراقي وبمال المكلف الأميركي في الوقت ذاته في العراق·
آخر فصول هذه القضية، أن البنتاغون الأميركي اتهم شركة (هاليبرتون) التي يرعى مصالحها نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، بأنها كلفت الإدارة الأميركية بمبالغ أكثر من اللازم بحوالى 120 مليون دولار فيما يتعلق بعقود في العراق·
وكشف تدقيق في الحسابات أن شركة (كيلوغ براون اند روت) التابعة لـ(هاليبرتون) كلفت الجيش الأميركي مبالغ تصل قيمتها إلى 61 مليون دولار زيادة على ثمن الوقود الذي اشترته لصالحه من شركة كويتية·
كذلك فإن الشركة ذاتها حصلت على 67 مليون دولار إضافية مقابل تجهيزات وترتيبات مطاعم القوات الأميركية في المنطقة· ثم وجّه البنتاغون تحذيراً جديداً إلى المجموعة ذاتها متهماً إياها بتقديم أغذية رديئة للقوات الأميركية؛ فقد عثر في أربعة من المطاعم التي تسيّرها الشركة على دماء على الأرض، وأوان وأوعية للطبخ قذرة، ولحوم وخضار متعفنة····)·
شركة هاليبرتون ردت على هذه الاتهامات والتحذيرات بالقول: (إن الشركة الكويتية هي الوحيدة التي وافق عليها فوج الهندسة في الجيش الأميركي الذي يراقب العقود) فيما قال البنتاغون: (إن هذه الشركة هي التي أجازت لها الحكومة الكويتية تصدير وقود إلى العراق)!
وقالت هاليبرتون: (إن البنتاغون وافق على تصدير الوقود من الكويت إلى العراق مع أن الأسعار ستكون أعلى من تلك التي كانت ستحدد لو صدّر من تركيا)! مشيرة أنها اقترحت تركيا أولاً لتكون مصدراً ثانياً للتزود بالوقود، ولو طبّق هذا الاقتراح لسمح لدافعي الضرائب الأميركيين توفير 164 مليون دولار)!
لماذا لم يتم اعتماد تركيا؟ لأنها لم تتجاوب مع المطالب الأميركية؟ من دفع الثمن؟ المكلف الأميركي وبالتالي، كل شيء في السياسة· الفساد سياسة· والهدر سياسة أو الفساد في خدمة السياسة والهدر في خدمة السياسة· أو السياسة تبرر الفساد والهدر هناك ويطالبونك ويتهمونك بهما هنا!
أليست كلها لعبة مصالح تبرر كل شيء! وهي مصالح الشركات الكبرى التي يشرف عليها المسؤولون الكبار في الإدارة الأميركية وكي لا نحيد عن شيء من الموضوعية والواقعية أليس هذا واقع الحال تقريباً أينما كان؟ حتى أن معالجة ملف الديون العراقية تدخل في هذا الإطار ففي الوقت الذي يبحثون فيه عن إلغاء أو تخفيض الديون، تحت عنوان محاولة إعادة بناء الاقتصاد العراقي، يتبين أن شركات يعمل لديها (جيمس بيكر) قد تستفيد من هذا الملف· وقد أثارت دوائر كثيرة شكوكاً حول الرجل وصلاته العملية والمالية من خلال شركتي (بايكر بوتس) و(كارلايل)، فهو شريك في الأولى ومستشار في الثانية، كما أنه يملك مكتباً قانونياً في هيوستن ومن بين عملائه شركة (هاليبرتون) نفسها!
إنه الفريق الحاكم يبح