بنشر هذا المقال يكون قد مضى أكثر من شهر على إعلان الرئيس بوش عن اعتقال الرئيس العراقي السابق صدام حسين. ومما لا شك فيه أن أكثر ما يهتم به المسؤولون الأميركيون الذين يباشرون التحقيقات مع صدام حسين، هو ما يعرفه من معلومات حول برامج الأسلحة غير المشروعة في بلده، إضافة إلى جرائم انتهاكات حقوق الإنسان وغيرها من جرائم أخرى. وسوف نرى ما إذا كان صدام سيبدي تعاونا مع المحققين في الوصول للحقيقة في هذه القضايا أم لا. غير أن هناك جانبا آخر من التحقيقات لا يتطلب تعاون صدام حسين، بقدر ما يتطلب تعاون بنك الاحتياطات الفيدرالي الأميركي. فقد لوحظ أن بحوزة صدام حسين لحظة اعتقاله، ضمن ما كان لديه، ثلاثة أرباع المليون دولار أميركي، وأنها كانت جميعها أوراقا جديدة صادرة لحينها. فمن أين جاء بها صدام يا ترى!
في الإجابة على هذا السؤال، سنعثر على رأس الخيط الذي يدلنا على فهم شبكات تمويل العمل الإرهابي. وفيما لو كانت هذه الحزم الورقية التي ضبطت معه مرقمة ترقيما تسلسليا كما هو مرجح، فقد سهلت مهمة الإجابة على السؤال أعلاه. فالمعروف أن كافة العملات الأميركية لا تطبع إلا في مكان واحد هو مكان سك العملة، وفقا لأمر صادر عن واحد من بين الاثني عشر بنكا التابعة لنظام الاحتياط المالي الفيدرالي. ويدخل المبلغ المحدد للتداول من خلال أحد البنوك التي لها حساب مقيد في البنك الفيدرالي الذي من أجله طبعت العملة المحددة. والذي يحدث عادة هو أن البنك الفيدرالي يقوم بخصم القيمة الاسمية لسندات المبلغ المعين من حساب البنك المعني، ثم يتم نقله بواسطة سيارة مصفحة إلى مقر المالك الجديد. ومن جانبه يحتفظ بنك الاحتياطات الفيدرالي الولائي بسجل يتعرف بموجبه على البنك المشتري للمبلغ المعين. وما أن تتجمع كافة المعلومات عن الكيفية التي تم بها تداول المبلغ المعين، حتى ندرك أن البنك الذي اشترى السندات المالية خاصة المبلغ إياه، لم يقم بتسييلها نقدا عبر صراف الكاونتر أو من خلال إحدى ماكينات الصرف الآلي، وإنما تم تسليمها لعميل فردي. ولا بد للبنك أن يعلم من يكون ذاك العميل على وجه التحديد؟
لنفترض أننا نتحدث عن تعامل مصرفي جرى بين فلادلفيا والعراق مثلا. فلا شك أن هناك سلسلة من المصارف، ربما تشمل بنوكا في كيمان أو جزر تشانيل أو في غيرهما. وأيا كان البنك، فإنه لا بد أن يكون قادرا على إعطاء اسم العميل الذي صرفت له هذه السندات المالية. وعلى رغم العقوبات المفروضة على نظام صدام حسين، إلا أنه ربما لم يتم أي خرق للقوانين والنظم المالية المعمول بها في عملية انتقال المبلغ المعين من الأوراق المالية الصادرة من سك العملة الأميركي إلى تكريت. غير أن من المهم معرفة أي البنوك هي التي كان لها يد في وصول المبلغ موضوع التحقيق من بنك الاحتياطات المالية الفيدرالي إلى طاغية العراق. ولكن المؤسف هنا هو أنه لا سبيل حتى لبدء التحقيقات في البنوك المشاركة في وصول المبلغ المشار إليه إلى يد صدام حسين. والسبب هو أن مجلس إدارة الاحتياطات المالية الفيدرالي، لن يسمح للبنوك الإقليمية بأن تكشف عن هوية عملائها ممن يقومون بشراء كميات كبيرة من العملة الأميركية. بالطبع ليس هناك ثمة قانون أميركي واحد، يمنع الكشف عن هوية مثل هؤلاء المشترين، غير أنها سياسة يتبعها بنك الاحتياطات المالية الفيدرالي لا أكثر. لكن وعلى رغم هذا العصر المصرفي الحديث الذي تسيطر عليه معاملات الصرف والدفع بالوسائط الإلكترونية، فإنه لا يزال هناك الكثير من المعاملات غير الشرعية الخارجة على النظام المصرفي، والتي يتم خلالها صرف سندات مالية تبلغ قيمتها بضع مئات من الدولارات الأميركية.
يجدر بالذكر أن البنك الفيدرالي الأميركي قد ظل دائما على اعتراضه المستمر على وضع البنوك الأميركية موضع الالتزام بالكشف عن حالات التحايل والغش، وعما إذا كانت مثل هذه الحالات تتضمن تهريب المخدرات مثلا، أو الغش التجاري، أو الإرهاب، وغيرها من الأنشطة ذات الصلة بالتآمر الدولي. وإذ يصر البنك الفيدرالي الأميركي على اتباع سياسته المذكورة آنفا، فهو يتمسك برأيه القائل إن البنوك ليست مؤسسات شرطية أو قانونية، وألا صلة لها البتة بأي مهام متعلقة بتنفيذ القانون، مثل تلك المهام التي تقوم بها عادة الجهات الشرطية والأمنية. وربما كانت لمكتب التحقيقات الفيدرالي صلاحية ما تخوله بمراجعة معاملات وحسابات البنك الفيدرالي- في مقره الرئيسي- غير أنه ليس من الواضح حتى هذه اللحظة ما إذا كان لمكتب التحقيقات الفيدرالي الصلاحية ذاتها، في أن يتابع تسلسل المعاملات المصرفية الصادرة عن البنك الفيدرالي، ورصد تسلسل خطها الإقليمي والدولي خارج الحدود الأميركية أم لا.
والشاهد أن كتيب قانون البنك الفيدرالي الخاص بسرية هوية العميل لا يزال ينص على ما يلي: مع أنه يفضل أن تتعرف على القواعد التي تحكم عميلك، إلا أن اللوائح والنظم السارية، لا تطالب بذلك في الوقت الحالي. ومع أن (قانون الوطني) قد ألغى بعض هذه