في الرابع من نوفمبر 2003 جرت انتخابات عامة لاختيار موظفين حكوميين لشغل العديد من المناصب الإدارية على المستوى المحلي لكل ولاية ومنطقة ومدينة· وقد خاضت هذه الانتخابات أعداد ضخمة من المرشحين من مختلف الإثنيات، وقد كان للعرب والمسلمين نصيب في ذلك وإن كانت النجاحات التي حققوها ضئيلة جداً مقارنة بما حققه الآخرون·
في منطقة واشنطن العاصمة كانت أنجح الحملات الانتخابية تقوم على أساس من التقسيم الحزبي الموجود في الولايات المتحدة وهو انقسام المجتمع بالانتماء إلى أحد الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي، وكانت الحملات الانتخابية شرسة تنافس فيها المرشحون على طرح برامجهم الانتخابية· وفي هذا السياق انزلق العديد من المرشحين إلى المبالغة في مواجهة المرشحين الآخرين وإلى نقد طروحات وبرامج بعضهم بعضا الانتخابية· وحاول البعض منهم بتعمد توظيف مخاوف الناخبين وأحكامهم المسبقة على القضايا ومواقفهم السلبية منها·
والملاحظ هو أن نصيب العرب من المرشحين في الانتخابات هذا العام كان ضئيلاً، وربما تعود الأسباب في ذلك إلى كثرة عدد المرشحين في مقابل عدد الأصوات المتاحة، وعدم التنسيق بين أولئك المرشحين وبعضهم بعضا، وبينهم وبين المنظمات والهيئات العربية والإسلامية التي ترعى وتدعم مصالحهم، وعدم ارتباط العديد من المرشحين بالحزبين الرئيسيين·
ورغم أن ذلك يشتت الأصوات المتاحة ويجعل فرص المرشحين العرب بالفوز بعدد من المقاعد أقل، إلا أن العديد من الناخبين والمرشحين العرب الأميركيين على السواء يقولون إن هذا الوضع صحي ويعكس نمطاً جديداً من وعي العرب الأميركيين بموقعهم السياسي في هذا المجتمع، خاصة في أوساط المهاجرين الجدد الذين حصلوا على الجنسية مؤخراً· ومن خلال بعض اللقاءات مع رموز اجتماعية عربية أميركية يستنتج المرء بأنهم مقتنعون بأن المزيد منهم بات يعي ويقدر بأن الوقت قد حان بالنسبة لهم للتخلي عن ترددهم وامتناعهم عن خوض غمار الحياة السياسية، فهي الطريقة الوحيدة المتاحة أمامهم للدفع بخططهم وبرامجهم إلى الأمام وفقاً للطرق السياسية الأميركية التقليدية القائمة على كسب المزيد من القوة السياسية في المجتمع·
وبالعودة إلى تاريخ بدء المرشحين العرب الأميركيين دخول المعترك السياسي بكثافة يجد المرء أنه ليس بعيداً· فقد بدأ ذلك مع أوائل عقد التسعينيات من القرن الماضي، ومع بداية القرن الجديد ازدادت أعدادهم، ولكن مع وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 فإن العدد أخذ في التراجع الشديد، وأخذ المرشحون العرب الأميركيون في العزوف عن خوض الانتخابات، والناخبين في عدم تكليف أنفسهم عناء الذهاب للادلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع، ففي عام 2001 و2002 كان عدد المرشحين العرب الأميركيين لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة·
إن ما حدث في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر هو أن العرب الأميركيين صاروا يتخذون موقف المدافع عن النفس أكثر من توجههم للخروج للمشاركة في الحياة العامة، وأخذوا في تشكيل المنظمات والهيئات التي تتولى عملية الدفاع تلك· وقد بدأ ذلك التوجه في أعقاب حملات التحقيق وطرح الأسئلة والزيارات المفاجئة التي قامت بها الأجهزة الأمنية الرسمية بحق المنظمات والأسر والأفراد العرب والمسلمين، وهي ممارسات كان يقصد من ورائها الكشف عن أولئك الذين توجد لهم ارتباطات بالجهات الإرهابية، ولكنها لم تؤدِ إلى أية نتيجة· ويبدو أن ذلك قادهم إلى ادراك أنهم إذا أرادوا أن يكون لهم صوت مسموع في دوائر الحكم والمجتمع فإن عليهم التعبير عن أنفسهم بصوت عال من خلال القنوات الشرعية المتاحة·
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي القضايا التي تشغل العرب الأميركيين بشكل جماعي؟ هل هي القضايا المحلية والداخلية، أم هي مشاكل المنطقة العربية وموقف أميركا منها؟ ورغم أن الإجابة على هذا السؤال صعبة، إلا أن من المنطقي القول إن الشأن المحلي أكثر إلحاحاً بالنسبة لهم في هذه المرحلة، فهم يواجهون الآن مشاكل كثيرة· فالعرب الأميركيون يقفون الآن على مفترق طرق يحتم عليهم ادراك أن المشاكل التي يمر بها المجتمع الذي يعيشون فيه هي مشاكلهم أيضاً وتفوق ما عداها من المشاكل الأخرى· إن مشاكل المنطقة العربية مهمة، ولكن أهميتها بالنسبة لهم لا ترقى إلى المشاكل التي يواجهونها على مستوى حياتهم اليومية· فأميركا الآن هي موطنهم والمكان الذي يربون فيه أطفالهم، لذلك فإنه يتوجب عليهم أن يجعلوا الجميع يفهم أنهم أميركيون أولاً وقضايا أميركا أياً كان شكلها هي قضاياهم أيضاً·