كلامه مناقض لسياسات شارون


 كاتساف: إيراني المولد وحامل عقدة (السفارديم)


عبر الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف، للمرة الأولى منذ وصوله إلى منصب الرئاسة، عن رغبة (ملحة) في إعادة تحريك المسار التفاوضي المتوقف بين سوريا وإسرائيل منذ عام 1996· ودعا كاتساف نظيره السوري بشار الأسد إلى زيارة القدس والدخول في مفاوضات سلام مباشرة بين دمشق وتل آبيب. بيد أن تصريح كاتساف الذي أدلى به الأسبوع الماضي، لكل من قناة (الجزيرة)القطريةوإذاعة الجيش الإسرائيلي، وأراد القول إنه إشارة انفتاح إسرائيلي على مفاوضات مباشرة وبدون شروط، هو في الواقع يفرض شروطا للتفاوض مع دمشق ويسوق ضدها تهما. فقد طالبها بوقف أي دعم لحزب الله، والتوقف عن استغلال التحالف بينها وبين إيران لتزويد الحزب بأسلحة، ثم إنهاء استضافتها لفصائل فلسطينية على الأراضي السورية. أما التهم التي ساقها كاتساف فأهمها الزعم بأن دمشق ليست ذات رغبة جادة في تحقيق السلام، وأن الرئيس الأسد معادٍ للسامية وضد اليهود. والواقع أنه بهذه التهم وتلك الشروط أو بدونهما، فليس للرئيس الإسرائيلي صلاحية اتخاذ قرار بالتفاوض أو عدم التفاوض مع سوريا، ذلك أن سلطته لا تتجاوز الأمور الرمزية والبروتوكولية، فهي وفقا لطبيعة النظام السياسي في إسرائيل سلطة شرفية فقط، وربما لهذا السبب لم تبد الحكومة السورية اهتماما استثنائيا بدعوة كاتساف واعتبرتها مجرد (عرض مراوغ)، هدفه الرئيسي (تحويل الانتباه بعيدا عن بناء الجدار العازل في الضفة الغربية). وإن كان من العسير استبعاد القراءة السورية في هذا الصدد تحديدا، فذلك ببساطة لأن كاتساف هو أحد قادة اليمين الليكودي المؤيد لشارون، ومعروف بمعارضته لأي مرونة في التعاطي مع سوريا. وقد فاز كاتساف كثامن رئيس لإسرائيل، بعد أن تمكن من هزيمة رئيس الوزراء العمالي الأسبق شيمون بيريز، بأكثرية 63 صوتا مقابل 57 صوتا فقط لبيريز، في انتخابات الرئاسة التي أجريت في (الكنيست)، في نهاية يوليو 2000، فكان مفاجأة كبرى فوز الرجل الذي (لم يسقط طائرة محاربة مصرية)، مثل سلفه عيزرا وايزمان، ولم يحصل على جائزة نوبل للسلام كما هو الأمر بالنسبة لشيمون بيريز، بل قال عن نفسه إن أهم مؤهلاته هي كونه (شخصا عاديا).بيد أن وجود كاتساف في منصب الرئاسة، يعتبر بمثابة انتصار للمهاجرين الجدد و(السفارديم). (اليهود الشرقيين) وفقراء إسرائيل والمتدينين اليهود، فمنافسوهم من أبناء (الاشكيناز) (اليهود الغربيين) هم الذين قادوا الحركة الصهيونية وأسسوا الدولة، وهيمنوا على مواقع القرار والسلطة والتأثير. أما كاتساف شخصيا فهو من يهود إيران وقد ولد في أصفهان عام 1945، وجاء مع أسرته من هناك وهو في سن السادسة، فتربى في مخيم للمهاجرين في المنطقة الشمالية من فلسطين، وهي صحراء حارة وقاحلة ومهملة، لكنها ظلت مأوى لموجات المهاجرين من اليهود الشرقيين الذين أتوا من العراق والمغرب وإيران وأثيوبيا. وفي المخيم الذي أصبح الآن بلدة (كريات ملاتشي)، تعلم كاتساف العبرية والعربية من أطفال المهاجرين القادمين لتوهم من العراق ومصر والمغرب. وكما يرى ملايين السفارديم في (كريات ملاتشي) صورا لمدنهم التي نشأوا فيها، فهم يرون كذلك صورا لحياتهم في حياة كاتساف الذي ناضل طويلا من أجل الارتقاء ببلدته، وبقي فيها رغم ما تعانيه من تخلف. فبعد أن تخرج من مدرسة (بين شيمن) الزراعية، وأدى الخدمة العسكرية، وحصل على درجته الجامعية في الاقتصاد والتاريخ من الجامعة العبرية بالقدس، أصبح كاتساف أول رئيس منتخب لبلدية (كريات ملا تشي) وهو في الرابعة والعشرين من عمره. وكانت تلك خطوته الأولى في عالم السياسة، فتوجها بفوز ساحق في الانتخابات التشريعية لعام 1977 كنائب عن بلدته، وحافظ على عضويته في (الكنيست) طوال 23 عاما، ترأس خلالها العديد من اللجان البرلمانية المتخصصة، وتقلد حقائب الإسكان والشؤون الاجتماعية والسياحة وشؤون العرب، في عدة حكومات إسرائيلية، إلى أن تم انتخابه لمنصب رئيس الدولة في عام 2000· وخلافا لأسلافه في الرئاسة، ما عدا عيزرا وايزمن، تعود الرئيس كاتساف على إبداء رأيه والتدخل علنا في قضايا عديدة. ففي الأشهر الأولى من عهده، فجر قنبلة حين أدلى بتصريح قال فيه إن رئيس الوزراء ايهود باراك لم يعد يتمتع بصلاحية إبرام اتفاق للسلام مع الفلسطينيين. وفي يوليو الماضي هاجم بشدة السياسة الاقتصادية لحكومة شارون التي أدت إلى اتساع دائرة الفقر والبطالة واتساع أعمال المقاومة الفلسطينية. لكنه أيد سياسات شارون الأمنية، وثمن قراره حول بناء الجدار العازل، ودافع عن تصريحاته التي وصف فيها السلطة الفلسطينية باعتبارها (عصابة من القتلة). لكن ذلك لم يحل دون تعرض كاتساف للإحراج مرارا على يد رئيس حكومته، من ذلك ما حدث في نهاية عام 2002 عندما أعلن شارون إن قواته لا تنوي الانسحاب من مدينة بيت لحم، وهو يعلق على وعد أعطاه كاتساف للباب