(من يقدر أن يفرض على مؤسساتنا في بلد اقتصادي حر أن توطّن وتوّظف مواطنين والسيرة الذاتية لهذا المواطن أقل بكثير من السيرة الذاتية لغيره من المواطنين؟ بأي حق نفرض هذا، هل على رأسنا ريشة؟ الحق الطبيعي لأي مؤسسة أن تفكر بإنتاجيتها، وصاحب القطاع الخاص يهمه الربح في البداية ، وفي العام 2005 تبدأ اتفاقية (الجات) ولا نستطيع التحدث عن شيء اسمه مواطن أو غير مواطن، بل سنتكلم عن الإنتاجية والكفاءة على مستوى العالم)·
اقتبسنا هذه الفقرة من مقابلة لأحد المتحدثين عن قضايا توطين الموارد البشرية وتطويرها وتنميتها وإيصالها لأعلى المناصب الإدارية في المجتمع.
في الكلمات حماسة شديدة إلى تيار العولمة متمثلا في اتفاقية (الجات) التي ستزيل الكثير من العقبات والمطبات من أمام حركة الاقتصاد والتجارة والمال بشكل عام.
مع الأخذ في الاعتبار بأن تيار العولمة لم يأت لتقليص حقوق الانسان في أي مجتمع، بل جاء لتوسعة هذه الدائرة ومحاربة كل أنواع التضييق على الحقوق العامة للبشر ومن جملتها حقه في الحصول على وظيفة مناسبة تليق بكرامته وإنسانيته، من هنا نرى بأن العولمة لا تنسخ حقوق المواطنة بقدر ما تقوي وتثبت أركانها.
عندما نتحدث عن الامارات فإن هذه الدعوة لا تناسب الوضع في مجتمعنا الفريد مقارنة بكل المجتمعات في العالم· فلا يوجد مجتمع المواطنون فيه على وشك الانقراض، ومع ذلك عندما يدور الحديث حول توفير وظائف تؤمن لهم سبل العيش الكريم، نصدم بأنه يجب علينا التعامل مع سوق العمل وفق ما تريده (الجات) مع أنها لم تنص في اتفاقيتها التخلي عن المواطنين كشرط مسبق للتوقيع عليها.
ابحث عن المواطنين في جميع قطاعات الدولة تجد بأن الحال لا تسر ومع ذلك يراد منا أن نلغي كلمة مواطن وغير مواطن من قاموسنا بناء على طلب (الجات)!
فالدول المتقدمة التي تطرق أبواب الرزق في دولنا، تفعل ذلك أولا وأخيرا لتوفير فرص العمل لمواطنيها لتقليص نسبة البطالة ودعم الاقتصاد الوطني لشعوبها .
فصفقات الطائرات الضخمة وتجارة الأسلحة وبناء المصانع العابرة للقارات كل ذلك الهدف الأول منه زيادة حجم فرص العمل لمواطني تلك الدول، فأين الجات من هؤلاء القوم وعلى رأسهم أميركا التي تخوض الحرب تلو الأخرى من أجل تشغيل أفراد القوات المسلحة، وإلا عانت من البطالة المقنعة والتضخم الوظيفي والملل والإحباط إذا ما تجمدت حركتهم القتالية ، وضرب الكساد مصانع الأسلحة التي تديرها الأيدي العاملة الأميركية الوطنية؟
لذا نقول نعم على رأس المواطنين ريشة لولاها لاختفوا عن الأنظار ويكاد لا يرون إلا بالمجهر.
أما السيرة الذاتية للمواطن ومقارنتها مع الآخرين وافتراض أنها الأدنى أمام تحديات السوق المفتوح ، فهي مسألة هلامية بحاجة إلى أدلة، فلقد ساهمت الدولة في إثراء السيرة الذاتية لهؤلاء القوم طوال العقود الماضية، فمعظمها تدربت في رؤوس (القرعان) عندنا وجاءت من دول غير مشهود لها بالتنمية، وقد أصابنا عمى الاغترار بهم لزمن طويل، وجاء الدور الآن لننفض غبارهم عن الكثير من المشروعات التي تئن من ظلمهم وبأسماء لمّاعة. المواطنة حق في كل الدول، فلم يحلُ للبعض التهاون بها باسم (الجات)؟ فنحن بدون المواطنة سنصبح صفرا على الشمال؟ّ