بعد ثلاثة أسابيع من المناقشات المحتدمة في المجلس الأعلى للقبائل(اللويا جيركا) نجح الأفغان في الموافقة على الدستور الجديد لبلدهم. وعلى رغم أن بؤرة تركيز تلك المناقشات كانت هي ما إذا كانت أفغانستان سوف تتبنى النظام الرئاسي، فإن الموضوع الذي غطى على ذلك، ومن عدة نواحٍ، كان موضوع تجارة المخدرات التي عادت للظهور مجددا في أفغانستان. فهذه التجارة، إذا لم يتم تقييدها، يمكن أن تؤدي إلى تقويض عملية إعادة الإعمار السياسي والاقتصادي في أفغانستان برمتها.
فمن خلال رحلة حديثة قمنا بها إلى أفغانستان، خرجنا بقناعة مؤداها أن تجارة المخدرات، بالتزامن مع حالة عدم الأمن المتفاقمة، تعتبر أكبر عقبة في طريق تحقيق الاستقرار في أفغانستان. لكي ندرك الأبعاد الفعلية للموضوع، يكفي أن نعرف أن تجارة المخدرات حققت دخلا لأفغانستان يعادل 40 في المئة من إجمالي دخلها القومي خلال العام الماضي، وأن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن أفغانستان تنتج سنويا 3600 طن من الأفيون، وهو ما يشكل 70 في المئة من الناتج العالمي. إن النضال من أجل إنجاز دستور ديمقراطي، ليكون أساسا لقيام أفغانستان المستقرة الموحدة، لن يكون له سوى مردود ضئيل-أو لن يكون له مردود على الإطلاق- إذا ما استمرت تجارة المخدرات في الازدهار.
وعوائد تجارة المخدرات في أفغانستان تمثل مصدرا للتمويل المنتظم لجماعات مثل تنظيم (القاعدة)، وتنظيم (طالبان). فتلك الجماعات تنظر إلى حكومة (قرضاي) على أنها مجرد مخلب للولايات المتحدة وحلفائها، وبالتالي فإنها تتطلع إلى طرد جماعات المساعدة الدولية من أفغانستان. ويقوم الإرهابيون باستهداف موظفي الإغاثة والمقاولين الأجانب، غير المحميين في الأساس، بغرض طرد جميع الجماعات الدولية العاملة في مجال إعادة إعمار أفغانستان، وتأمين مستقبلها بالتالي. ولن يكون من الممكن كسب معركة السلام، إذا ما ظل هناك مصدر دخل منتظم من المخدرات، يمكن لأمراء الحرب وتنظيم (طالبان) الاعتماد عليه في توفير الأسلحة والإمكانيات. بناء على ذلك كله يتعين القول إن الحرب في أفغانستان يجب أن تتضمن في طياتها هجوما على تجارة المخدرات.
حتى الآن، يمكن القول إن الجهد الدولي المبذول لمعالجة موضوع تجارة المخدرات قد فشل فشلا ذريعا، وبالتالي فإن الأمة الأفغانية- كما قال لنا أحد المسؤولين الأفغان في كابول- تجد نفسها الآن أمام مفترق طرق تتعرض فيه إلى خطر السقوط في أيدي (احتكارات المخدرات أو ما يطلق عليهم (إرهابيو المخدرات))·
ويذكر في هذا السياق أن البريطانيين الذين لعبوا الدور الرئيسي في محاربة تجارة المخدرات، لم يحققوا شيئا يذكر. فبرنامجهم القائم على دفع تعويضات للمزارعين لتشجيعهم على إزالة حقول الأفيون، أدى، للأسف الشديد، إلى زيادة إنتاج الأفيون، بدلا من تخفيضه. أما القوات الأميركية وقوات الحلفاء فقد اتبعت سياسة تقوم على رفع يدها عن الموضوع، والعمل باستمرار على تجنب توريط نفسها في محاربة المخدرات. إلى ذلك نجد أن الحكومة الأفغانية التي تفتقر إلى قوة شراكة وطنية، ونظام قضائي فاعل، عاجزة عن التعامل مع هذه المشكلة بمفردها.والوزراء الأفغان، ومسؤولو منظمات المساعدات الدولية والدبلوماسيون الذين التقيناهم، يجمعون على أن الفشل في إرسال رسالة قوية وموحدة إلى تجار المخدرات، يتم إفهامهم بموجبها أنهم لن يستطيعوا العمل دون التعرض لطائلة القانون، سيقوض أي جهد يهدف لخلق الاستقرار والأمن في أفغانستان. علاوة على ذلك، يجب على حكومة كابول أن تعمل على تفعيل برنامج إزالة زراعات الأفيون. ومن المفهوم في هذا السياق، أن أي جهد لتفعيل سياسة مضادة لزراعة المخدرات في الظروف الصعبة التي تواجهها الديمقراطية الأفغانية التي تكافح للوقوف على أقدامها حاليا لن يحقق نتائج كاملة بالطبع، ولكنه على الأقل سيرسل رسالة إلى المهربين والزارعين تردعهم عن الاستمرار في هذه التجارة المحرمة. ولكي يتجاوز البرنامج مرحلة الخطابة والكلام، ويدخل إلى مرحلة الفعل والتنفيذ، فإن هناك حاجة جوهرية لقيام القوات الأميركية في أفغانستان بالمشاركة الفاعلة في هذا الجهد. ومما لا شك فيه أن قيام الولايات المتحدة بتعيين (زلماي خليل زاده) سفيرا جديدا لها في أفغانستان، يعتبر بداية طيبة لها على طريق إجراء تعديلات على استراتيجياتها في أفغانستان.
دانيال كوكس
أخصائي سابق في إدارة جنوب آسيا بوزارة الخارجية الأميركية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هاربندر أتوال
عضو مجلس العلاقات الخارجية ومهمة قوة الواجب للمجتمع الآسيوي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة (كريستيان ساينس مونيتور)