في خلال زيارته الأخيرة للمكسيك، أعلن الرئيس الاميركي جورج بوش عن نيته في زيادة التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجالات استخدام الطاقة النووية (للأغراض السلمية)، وبرامج استكشاف الفضاء الخارجي، والتبادل التجاري في الصناعات التكنولوجية المتقدمة، هذا بالاضافة إلى توسيع الحوار بين الدولتين فيما يخص نظم الدفاع الصاروخية· ووصف بوش تقوية أواصر التعاون المستقبلي بين البلدين على أنها (خطوة مهمة على طريق تطوير العلاقات بين الولايات المتحدة والهند، وهي العلاقات المبنية من الأساس على القيم المشتركة والمصالح المشتركة، حيث يعمل كلانا على نشر الأمان والرخاء الدوليين)! هذا الدفء الحالي في العلاقات الاميركية الهندية، فسره البعض على أنه مكافأة من الولايات المتحدة للهند مقابل الخطوات التي اتخذتها الحكومة الحالية على صعيد التعاون الاقتصادي والعسكري مع إسرائيل· هذه الخطوات أنتجت أولى ثمارها في شكل صفقة الرادارات العسكرية الاسرائيلية في بداية شهر اكتوبر الماضي، والتي بلغت قيمتها مليار دولار· ويعود الفضل في هذا التغيير الاستراتيجي للعلاقات الهندية الاسرائيلية إلى رئيس الوزراء الهندي (أتال بيهاري فاجبايي)، والذي أظهر نية الهند في تغيير مبادئها السياسية الاقليمية من خلال استقباله لرئيس الوزراء الاسرائيلي (أرييل شارون) في منتصف شهر سبتمبر الماضي· هذه الزيارة اعتبرت نقلة تاريخية في العلاقات الهندية- الاسرائيلية والتي شهدت دائماً برودة شديدة قريبة من درجة التجمد منذ نشأة الدولة العبرية، واستمرت حتى بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لأول مرة في عام 1992·
ورغم أن جوانب العلاقات الهندية- الاسرائيلية- الأميركية، والتي أصبح يطلق عليها كتلة (المحور الثلاثي)، عديدة ومتشعبة وتكفي وتزيد لرسالة دكتوراة أو أكثر، إلا أن ما يعنينا في هذا المثال هو الجوانب التي نجح فيها الهنود بينما فشل فيها العرب· الجانب الأول هو الجانب السياسي، فعن طريق التقرب من الدولة الاسرائيلية، نجح الهنود في الدخول في علاقة شراكة مع الولايات المتحدة· هذا مقارنة بعلاقة المدرس والتلميذ القائمة الآن بين الولايات المتحدة وبين المسلمين والعرب، والتي يدرس فيها الأول للثاني مبادئ الديمقراطية والحريات المدنية والسياسية· هذا النجاح الهندي السياسي بالتحديد لا يمكن للعرب مجاراته، لأسباب عديدة معروفة·
أما النجاح الثاني الذي حققه الهنود وأهلهم لصفة الشريك الكامل مع أكبر اقتصاد في العالم، فهو النجاح الاقتصادي والعلمي· فعلى الصعيد الاقتصادي تشهد الهند، صاحبة ثاني أكبر تعداد سكاني في العالم وثالث أكبر اقتصاد في آسيا، نمواً اقتصادياً يتعدى الـ 6% منذ عام 1993 على التوالي· وفي العام الماضي تعدى النمو الاقتصادي الهندي نسبة الـ 8%، وهو ما يجعل الهند صاحبة ثاني أعلى معدل للنمو الاقتصادي في العالم بعد الصين· هذا الانفجار الاقتصادي دفع في نهاية عام 2003 باحتياط النقد الأجنبي في الهند، فوق حاجز المئة مليار دولار للمرة الأولى في التاريخ مقارنة بستة مليارات فقط قبل بضعة أعوام· وفي نفس السنة تخطت الشركات الهندية العملاقة الحدود الوطنية لتنتشر في أصقاع الأرض، من خلال عمليات شراء لشركات أجنبية في مختلف دول العالم، وبقيمة 450 مليون دولار في نفس العام· كل هذه الأرقام دفعت بثقة الهنود في قدراتهم الاقتصادية، مما دفع (آتال فجبايي) للمناداة بضرورة إنشاء عملة آسيوية موحدة على غرار اليورو الأوروبي·
ولكن هذا النجاح الاقتصادي، وما سبق ذكره من تحقيق للشراكة التجارية والعلمية الكاملة مع الولايات المتحدة، لم يكن يمكن للهند تحقيقهما من دون قاعدة تعليمية قوية، مع الاستثمار المستمر في ترسيخ أسس الاقتصاد المبني على المعرفة·
ومن الصعب أن نعرض هنا لجميع المجالات العلمية المعرفية التي أصبحت مثلها مثل روافد الأنهار، تصب الدولارات على مدار الساعة في شرايين الاقتصاد الهندي· ولكن يمكن أن نعرض هنا لمجالي تكنولوجيا المعلومات والتقنية الحيوية، للاستدلال على حقيقة ما يحدث في الهند· في المجال الأول أو مجال تكنولوجيا المعلومات (Information Technology)، يمكننا الاستدلال على مدى حجمه ومقدار ما يدره من دخل بالعملة الصعبة للاقتصاد الهندي، من خلال احصائية نشرتها الجمعية الهندية الوطنية لشركات برامج وخدمات الكمبيوتر
India,s National Association of Software and Services Companies· هذه الاحصائية ذكرت أن قيمة الصادرات الهندية من برامج الكمبيوتر قد بلغت 340 مليار روبية هندية أو ما يعادل حوالى السبعة مليارات دولار في التسعة شهور الأخيرة من عام 2002· وبذلك تكون شركات برامج الكمبيوتر الهندية قد حققت مبيعات بقيمة 9.6 مليار دولار في عام 2002 ووفقاً للتوقعات السابقة· وهو ما يشكل زيادة في حجم المبيعات بمقدار 28% عن عام 2001 والذي بلغت مبيعات برامج الكمبيوتر المصنعة في الهند فيه مبلغ 7.8 مليار دولار· هذا في الوقت الذي ارتفعت فيه أرباح شركة (I