سنرتكب خطأ فادحاً إن أعطينا فضل الاهتمام بإصلاح مسيرة التعليم في دول مجلس التعاون إلى ضغوط المعتوهين في واشنطن على حكوماتنا· فالموضوع مطروح في الساحة منذ أوائل الثمانينات·
ولذلك نحتاج أن ننظر إلى مناقشة موضوع التطوير الشامل للتعليم من قبل قمة مجلس التعاون الأخيرة من زوايا متعددة·
فأولاً: كان التقرير المقدم، تقريراً عن التطوير الشامل للتعليم بدول مجلس التعاون، ولم يكن تقريراً عن اصلاح المناهج فقط، وكان التقرير حصيلة جهود لجان من أبناء الخليج والوطن العربي، وليس نتيجة دراسات لمؤسسات أجنبية· وكان أيضاً استكمالاً لمناقشات وقرارات تمت عبر الأربع سنوات الماضية·
ولقد كان من المفروض أن تكون قمة الكويت موضوع تطوير التعليم، بحيث يأخذ هذا الموضوع الحيز الأكبر من المناقشات والقرارات والاهتمام الاعلامي· لكن غلب الطبع على التطبع، فتغلب جدول أعمال الارهاب الذي يهم أميركا وتريد إبرازه على جدول أعمال النهوض الذي يهم بلداننا ونريد القفز نحوه· وقد أظهرنا براعة في البلادة فاختزل موضوع التعليم كله في اصلاح المناهج، ثم اختزلت المناهج في اصلاح تعليم مادة الدين الاسلامي· وهكذا لعبنا إعلامياً في يد اليمين الصهيوني الأميركي·
ثانياً: اقترح التقرير المقدم ستة مشاريع كبرى تمس موضوع التعليم برمته، فالمشروع الأول يتعلق بتطوير العملية التعليمية بأبعادها الثلاثة: التعلم والتعليم والتقويم، بحيث ينقلها من الحفظ والتلقين إلى الفهم والتحليل والابداع، وبحيث تتم في بيئة مدرسية أو جامعية تمارس كل القيم الديمقراطية في علاقات التلاميذ والمدرسين والادارة. والمشروع الثاني يطالب بتمهين التعليم بحيث يتم إعداد المعلم الجامعي بنفس الصرَّامة التي يعد بها أفراد المهن الرفيعة الأخرى كالطب والهندسة والقانون، وبحيث تؤدي إلى قيام مؤسسة مهنية تضبط عمليات الدخول والخروج من المهنة وعمليات تطويرها الدائم·
أما المشروع الثالث فيتعلق بالجودة النوعية لتطوير الأداء الاداري والتنظيمي لمؤسسات التعليم، بينما ينقل المشروع الرابع الحقل برمته إلى فضاء المدرسة الإلكترونية والجامعة الإلكترونية.
ويتعامل المشروع الخامس بنوعية النتائج التعليمية بحيث يكون تحصيلها الاكاديمي رفيع المستوى، وبحيث توجد مواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات التنمية الشاملة· أما المشروع السادس فيتعلق بمشروع الشراكة بين مؤسسات التعليم والمجتمع ليصبح التعليم من هموم المجتمع بكامله وليس من هموم سلطة الدولة لوحدها·
وإذن فالمشروع وطني وقومي، وإذا نجح فسيدحر الاستعمار والتخلف وسيكون مثالاً لإصلاح تعليمي جذري في الوطن العربي كله·
ثالثاً: أما وإن القمة قد أقرت المشروع فإن المهم أن نخرج بطحين، لا أن نسمع فقط جعجعة الطحن· فما أكثر مشاريع الأمة العربية وما أقل ثمارها، هنا تأتي أهمية وسائل الإعلام العربية ومؤسسات المجتمع المدني وألوف العاملين في الحقل التربوي للاهتمام بهذا الأمر ومراقبة تنفيذه والضغط الدائم لتطويره· ذلك أن موضوع التعليم أهم وأكبر من أن يترك في يد السياسيين والبيروقراطيين·
ولنتذكر بأن التعليم الجيد سيكون مدخلاً لإفشال المشاريع الأميركية الهمجية في أرضنا·