خلال الأسبوع الحالي، كان الموعد مع الثقافة في دولة الكويت، كان الإبداع الثقافي لإنسان الخليج هو المحور الرئيس لمهرجان القرين الثقافي العاشر، كنت بين بين، هل أذهب للمشاركة في المهرجان وأبتعد عن أجواء العمل والقراءة، ومتابعة فترة الامتحانات لدى الأولاد، والقيام بواجبات الأب، مع تلك الأم التي تتابع كل شيء منذ الصباح حتى المساء؟ إذ إن من أصعب المسؤوليات العمل من أجل ترسيخ العلم والتعلم لدى الأبناء، وفي الوقت نفسه هنالك مسؤوليات أخرى لها علاقة بالعمل التطوعي في مجال التخصص.·· أشارك أم لا؟
ازدادت الحيرة كلما اقترب موعد السفر، إلا أن حضور تكريم شخصية المهرجان، زادت من احتمال المشاركة فيه، كيف لا وهو ذلك الإنسان الرائع الذي آمن بأن الثقافة هي الحياة، وأن العمل في مجال البحث العلمي والغوص بين المراجع والمكتبات هي التي تزيد من إنسانية الإنسان.
عرفت ذلك الإنسان منذ ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمان، حينما كنت طالباً في جامعة الكويت· دار بيننا حديث حول أهمية العلم، وكيف أن ثروة الإمارات الحقيقية هي ابناؤها المتعلمون· ما زلت حتى الآن احتفظ بتلك الصورة التي تجمع بيننا، كانت رؤيته لأهمية البحث والتعلم دافعاً نحو الاهتمام بمزيد من التعلم والبحث عن الحقيقة أينما كانت.
ومرت سنوات عديدة، إلا أن اصراره على أن يكون باحثاً في تاريخ المنطقة، مع وجود الالتزامات الأخرى، والتي تثقل كاهل الإنسان، لم تمنعه من تنظيم وقته، بين شؤون الحكم ومتابعة أمور الإمارة والدولة، وبين روح الباحث، ووجد السر في كيفية الجمع بين هذا وذاك.
وبدأت نتائج إصراره وعزمه تبرز للوجود على شكل كتب في التاريخ، وأيضاً كتابة مسرحيات فيها ملامح تاريخية، إلا أنها تمس الواقع الحالي للأمة العربية والإسلامية، لقد ظل المسرح عالقاً بذهنه منذ كان طالباً في المراحل الأولى للتعليم. ربما كانت الوثائق والخرائط التاريخية مرهقة للإنسان إلا أن الرواية أو المسرحية تطلق عنان الخيال مع عدم نسيان الواقع.
في هذه اللحظة قررت ان أكون موجوداً بين مئات ممن جاءوا لتكريم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في دولة الكويت· إنه احتفال بتكريم ابن بارٍ من ابناء دولة الإمارات، تكريم للباحث والمفكر الذي ظل يطلب العلم، ولم يكن الحكم حائلاً دون ذلك.
لقد أعاد كتابة تاريخ هذه المنطقة بمنظور مغاير حينما كتب مؤلفه القيم (أسطورة القرصنة العربية في الخليج)· فهو من خلال الوثائق رد الاعتبار لأبناء المنطقة، ودحض الحجج الاستعمارية، والتي حاول المستعمر أن يرسخها في الأذهان. ومنذ ذلك الكتاب المرجع استمر في البحث والعطاء، وفي الوقت نفسه جعل الشارقة مركزاً ثقافياً وعلمياً تشهد عليه المنشآت الثقافية المتميزة التي تزخر بها مدينة الشارقة· فالجامعة الأميركية في الشارقة، وجامعة الشارقة شاهدان بارزان على هذا الإنجاز الثقافي العظيم، ويكتمل المشهد الثقافي إذا اضفنا إلى ذلك بيت الفنون والمركز الثقافي العربي، وقصر الثقافة، ومقار الجمعيات ذات النفع العام التي تتلألأ مصابيح وضاء على ضفاف قناة القصباء التي تجعلك تهيم حباً بهذه الإمارة وباني نهضتها.
إن الثقافة هي التي تجعل العمل متعة، وتزيد من التواصل بين الشعوب بالرغم من اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم، والعمل في المجال الثقافي متعب ومرهق للإنسان، إلا ان النتاج الثقافي المادي يؤكد على إنسانية الإنسان، وكم هو جميل ان تكون أجواء المهرجان تلينها الأمطار القادمة من السماء ونسمات باردة، تعيد إليك الروح.
كان القرين فرصة للالتقاء بين أبناء العروبة من الخليج إلى المحيط· والأجمل ان يكون التكريم للإمارات بشخص واحد من ابنائها أكد أن الأمم لا تبنى بالعمارات والمصانع فحسب، بل لا بد أن يتم الاهتمام بالانسان والارتقاء بثقافته التي هي أساس إنسانيته، واختتم بما كتبه أحدهم حينما قال (مخاض الإبداع لا يميز حاكما عن محكوم).