لا يتعلق الأمر بمقالة هنا وتحقيق هناك، وفيلم أو أغنية أو فكرة يتم زرعها في مخيلة أو ضمير طفل أميركي أو كهل ياباني فقد تداعت علينا الأمم وغدونا وفق التعبير المصري الدارج (الحيطة الواطية)·
شغل المقال الذي ينضح بالحقد والعنصرية الذي كتبه الصحفي والإعلامي البريطاني روبرت كيلروي سيلك، شغل حيزاً كبيراً من اهتمامات المدافعين عن حق العرب في العيش وحقهم في الدفاع عن ذاتهم وعن وجودهم، وامتشق العربان في كل مكان تحت ضربات إحساسهم بالمهانة، امتشقوا سيوف كلماتهم وصبوا جام غضبهم على صحفي مسكين بريء اخطأ سكرتيره أو سكرتيرته التي لا أعرف أن هي عجوز شمطاء قبيحة أو شابة ممشوقة القوام بارعة الجمال يحفها الغنج والدلال من كل صوب مثل بعض السكرتيرات العربيات في مواقع صنع القرار أخطأت كعادتها عندما يتعلق الأمر بمقالة أو تصريح ضد العرب في ارسال المقال في توقيت غير مناسب، وهذا التبرير لا ينفي أن المقال قد كتب وجهز سابقاً أو لاحقاً ليطال العرب وينشر غسيلهم (·····) على ألف منشر عادي ومنشر الكتروني في عصر شبكة المعلومات والاخبار الطيارة عبر الفضائيات·
رغم سخونة الجدل الدائر حول ما نشر وحول ردود الأفعال التي جاء بعضها وفق العادة العربية منفعلاً وعاطفياً مذكراً بالعرب وتاريخهم وأياديهم البيضاء في اختراع الصفر، الذي يبدو أن العرب وضعوه على الشمال أو وضعهم الصفر ذاته على الشمال وفي زاوية النسيان والاهمال فصارت الأمة برمتها على شمال حركة التاريخ· لقد ذكرتني بعض المقالات التي تفوح منها رائحة ميكرفون صوت العرب واهتزازات أوتار الحناجر التي أدمنت الخطاب الحنجوري وخشيت أن يطالب أحدهم برمي الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس في زاوية معتمة من كوكب المريخ بعد أن تمكن المسبار (سبيريت) من الوصول إليه لأن كاتبا بريطانيا تجرأ عن نقد بني يعرب ووصمهم بأوصاف لا تليق بحضارتهم أو انسانيتهم التي كانت مضرب الأمثال في التسامح ورعاية حقوق الإنسان، وخشيت على هذا الإعلامي المتورم بالعنصرية والحقد أن يبعث له أحد الموتورين مجاهداً عربياً افغانياً ليشطره بحربة صدئة إلى نصفين ويريحنا منه ومن كتاباته التي لمست جرحنا وانتزعت رقابنا من الرمل والطين والوحل بعد أن غرسناها ودفناها كالنعامة لأكثر من ألف عام من الزمان واقتتنا من ماضينا ما ساعدنا على اجترار انجازات أسلافنا ونسينا أن حركة التاريخ لا تعود إلى الوراء· إن جل ما نفكر فيه الآن هو كيفية مقاضاة (كيلروي) وتقديمه للمحاكمة بتهمة قذف أمة باكملها ووصمها بالارهاب، وانها أمة من الانتحاريين تقوم ببتر الأعضاء وتمارس دون هوادة قمع النساء، ويبقى السؤال أين نحن من اتهامات (كيلروي)؟
لا أريد أن أمارس عمليات جارحة من جلد الذات أو السقوط تحت معول اتهامات كيلروي التي جاءت في سياق حملات كثيرة تستهدف العرب والمسلمين في تناغم ترافق وبحدة بعد أحداث تفجير مركز التجارة العالمي، وكأن الغرب بعنصريته وآلة إعلامه الماحقة كان بانتظار أن تخرج فلول العرب الافغان من كهوفها لتحدث دماراً ما بعده دمار في التاريخ البشري وتمنح هذه العنصرية البغيضة الفرصة التاريخية للقضاء علينا·
في الحديث العاطفي يمكننا أن نسطر آلاف المجلدات وأن نكتب عن أنفسنا قصائد مدح وتبجيل واطراء، وأن نعلقها على ذيل المسبار الفضائي أو نبعثها لاقوام ربما كانوا يسكنون القمر وهم أكثر منا حضارة وتقدما، ونقول لهم في إحدى هذه القصائد إن الأوابد والشواهد في القمر تؤكد أننا أول من وضع قدماً فوق الكوكب البعيد· أولسنا أكثر من تغزل بالقمر وحسنه وجماله وبهاء طلعته؟ أولسنا أكثر من شبه القمر بوجه المحبوبة وعشنا وهم صناعة حبل طويل مجدول من ليف النخيل مربوط بشجرة في الأرض نتسلقه للوصول إلى القمر في ليلة بدر ونؤكد لاخوتنا من سكان القمر بأننا قادمون لتحريرهم من الرق والعبودية وادخالهم في الحضارة البشرية الحقة رغم بعد المسافة بينهم وبين بني البشر الذين علمناهم الحروف الابجدية واقنعناهم باننا أول من اخترع الورق وأخرسنا الأخوة في الصين وصادرنا حقهم في ذلك لأنهم لم يسجلو اختراع الورق في محكمة العدل الدولية؟·
وسنقول لاخوتنا من كائنات القمر أو المريخ أو زحل ونردد وعلى رأس الاشهاد قول الشاعر:
ونحن اناس لا توسط عندنا
لنا القمر دون العالمين أو الأرض
فإما أن نكون سادة الأرض والقمر وما بينهما وإما أن يكون لنا اللحد مثوى ومقراً ومستقراً·
سخرية ما طرحه (كيلروي) ليست في جرأة قلمه المعتمدة على عدم مصداقية وموضوعية الإعلام الغربي بطرحه العنصري الذي بدا واضحا بعد أحداث 11 سبتمبر، وكذلك توجهات الخطاب الإعلامي الغربي للنيل من كل ما هو عربي ومسلم وخلق تصورات سلبية وتصوير كل المسلمين والعرب بأنهم قتلة إرهابيون مجرمون قامعون للنساء ولكن السخرية الحقة تكمن أساساً في انهيار الساتر الترابي الذي كنا نعتقده حديدياً، ذلك الساتر الإعلامي الذي اكتشفنا بعد خمسين عاماً بانه هش قابل للتصدع تحت ضربة أي معول خشبي أو حتى كرتوني· وسألت نفس