في لقاء جمعنا في الكويت والكاتب الإيراني أمير طاهري ،تطرق الحديث لأزمة الليبرالية في الوطن العربي وسبب إخفاقاتها وعدم قدرتها على تقديم نموذج ليبرالي يتماشى مع الطبيعة الاجتماعية للمجتمعات العربية.
طاهري ذهب في تحليله إلى أن أزمة الليبراليين في الكويت تتركز أساساً في التعامل مع الليبرالية بأسلوب مخالف لمراحل تطور الفكر الليبرالي . فتم اختصار الليبرالية في بعض جوانبها الاجتماعية وتركزت الاهتمامات على قضايا المرأة والحريات العامة في المجتمع.
وكان يؤكد على أن الفكر الليبرالي لم يبدأ اجتماعيا بمعنى أن البعد الاجتماعي ليس المحور الذي انطلقت منه الأفكار الليبرالية. فأوروبا بدأت تحولها نحو الليبرالية اقتصاديا، وحينها كانت قضايا الساعة هي حرية الأسواق، وتقليص دور الدولة وتطوير القطاع الخاص وتطوير مؤسسات العمل، والاهتمام بأخلاقيات العمل. وبعدما حققت أوروبا إنجازات وقفزات اقتصادية كبرى جاءت حركة المطالبات بالحريات الاجتماعية كتطور طبيعي للتحولات التي طرأت على المجتمعات الأوروبية، وأصبحت الحريات العامة وحقوق المرأة وحقوق الفرد جزءاً أساسياً من التكوين الاجتماعي لتلك المجتمعات.
من المؤكد أن ما قاله طاهري له شواهده التاريخية، ففي القرن الثامن عشر كرست أوروبا حقوق الفرد كأولوية ووظفت أركان الفكر الليبرالي من تعددية ورأسمالية وعقلانية كأدوات لترويج الليبرالية في العالم، وما يدعم ذلك أن الديمقراطية السياسية جاءت كنتيجة لليبرالية الاقتصادية.
ورغم الاختلاف الهامشي بين التيارات الليبرالية في منطقة الخليج العربي إلا أن معظمها عانى من التصادم بالواقع الاجتماعي السائد الذي يصعب اختراقه نتيجة لتوظيفها لأدوات غير فاعلة في بيئات ثقافية مغايرة، كما أن الحركة الليبرالية في الخليج تأثرت بتداعيات نكسات الحركات الليبرالية في أماكن أخرى من العالم العربي.
لا شك أن أحد أبرز نقاط ضعف التيارات الليبرالية هي كونها تيارات نخبوية، ولم تبذل جهداً في كسر النخبوية وأصبحت عاجزة لسبب أو لآخر عن نشر أفكارها للشرائح الاجتماعية المختلفة. والليبراليون في الكويت على سبيل المثال لا تحكمهم أجندة محددة، ولا إطار فكري واضح فهم يمثلون توجهات متنوعة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين وهم خليط يلتقون على بعض الأفكار أو الخطوط العريضة ولكنهم لا يملكون الأدوات لتوصيل أفكارهم. وعندما يصل بعضهم إلى السلطة لا يقوم بالتعبير عن فكره ولا يشعر بالالتزام لأية جماعة سياسية وبالتالي هو في حل منهم. بخلاف التيارات الدينية الأخوان المسلمين أو الحركة السلفية التي نرى أنها تظل ملتزمة بأطرها الفكرية الواضحة المعالم وأنها تعمل لتحقيق أهدافها .
في ذات الوقت نجد أن الدولة في الخليج والتي قامت على ركائز تقليدية قد شعرت بأن الفكر الليبرالي من شأنه إضعاف ركائزها التقليدية ولم تكن منصفة مع التيارات الليبرالية، وعملت على الحد من انتشار الاتجاهات الليبرالية.
من المؤكد أن الليبراليين عجزوا عن تطوير آليات للتفاعل مع الأطر التقليدية وأحيانا كثيرة عجزوا عن اتخاذ موقف عقلاني منها فرفضوا تلك الأطر التقليدية في مجتمعاتهم مما تسبب في عزلتهم عن الشارع وباتوا يجترون همومهم في نواديهم ودواوينهم الخاصة.
وقد تذكرت أثناء نقاشي وطاهري كيف تحول كثير من مثقفينا الليبراليين إلى أدوات سهلة في يد السلطة أحيانا، وكيف تم إدخال قانون الفصل بين الجنسين في التعليم في الكويت على يد أحد الليبراليين عندما تولى حقيبة التربية كما هو الحال مع معظم الليبراليين الذين دخلوا الوزارة في الكويت ولم يلتزموا بالأفكار التي طالما دعوا إليها في تعبير واضح عن عدم الجدية وهو عامل آخر من عوامل ضعف الليبرالية .