ليس هناك ألذ من السلطة، فلا تقترب منها المتعة الجنسية ولا تضاهيها ألذ الفواكه. وسرها هو الألوهية. وكما يقول أبو حامد الغزالي إن آخر ما يخرج من قلوب الصالحين هو حب السلطة. ويعلل برتراند راسل هذه الظاهرة فيقول ليس أحد منا عنده مانع أن يكون إلهاً أو نبيا يؤسس دينا جديدا ولكنه لا يستطيع. فمتعة الألوهية متعة لا تقترب منها أي متعة. والسلطة هي كذلك. والديكتاتور يحول كل البلد بما فيه من بشر إلى ملك شخصي يتصرف به كيف يشاء. واعتمد فلم جوراسيك بارك على فكرة الاستنساخ الجسدي فأمكن استنهاض الديناصور من عالم الغيب. وما فعله كيم ايل سونج في كوريا الشمالية الشيء نفسه فقد استنسخ السلطة بما هو ضد الدستور وضد تعاليم الماركسية وضد تعاليم الحزب وضد قيام الجمهورية. وهكذا تم استنساخ طاغية جديد هو ابن الوحش الأول أخذ اسم أمل وحبيب الجماهير بعد أن كان الأب قائد الجماهير. ويبدو أن هذه الحمى القلاعية قد وصلت إلى بلاد العربان· وأصبحت وباءً انتشر في بقايا الجيوب الستالينية من بلاد العروبة. وأصبح الثوريون ملوكا جددا عكس اتجاه التاريخ. وسبحان من يخرج الميت من الحي. ومن أغرب ما جاء في كتاب الحمى 42 للكاتب التونسي الصافي سعيد قيامه باستعراض أكثر من أربعين شخصية عالمية ظهرت فيها حمى السلطة في جوراسيك بارك السلطة حيث تهز الأرض ديناصورات مريعة من بني الإنسان؟ ومما يورد من أخبار عجيبة أن الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران في مرض الموت لم يستسلم بل ذهب إلى الكاتب المسيحي (جان غيتون) البالغ من العمر 93 عاماً فأراد أن يفهم منه سر التعمير، وهل هناك مهرب من الموت؟ فقال له حدثني عن الموت وما ذا بعده فشرح له ما يعرف فما زال يكرر عليه السؤال حتى قال له يا سيادة الرئيس هذا كل ما عندي. ويعلق صاحب غيتون فيقول لقد كان أمامي رجل يعيش ظروفا صعبة ويريد أن يقوم بمهامه حتى آخر لحظة. وبكلمة ثانية الإصرار على الرئاسة حتى أقصى فترة ممكنة وبأي ثمن. ولم يعرف عن عبد الناصر حبه لجمع للثروات، ولكنه افتتح عهدا جهنميا من حكم المخابرات وما زال أناس يزعقون باسمه وأكثرهم من غير المصريين. وانتقلت أساليبه مثل أغاني أم كلثوم إلى كل العالم العربي. وهذا المرض الذكوري أصيبت به النساء، فجيانغ زوجة ماو لقبت بالحية الصفراء ولو نجحت في معركة الوراثة لأعدمت خمسين ألفا من الخصوم. وكادت أنديرا غاندي أن تلقي قنبلة نووية على باكستان واعتقلت في ليلة واحدة 5000 صحفي وسياسي وأغلقت 4000 صحيفة وهدمت معبدا للسيخ وقتلت ألف رجل دين في يوم واحد. أما غولدا مائير فقالت إنها استطاعت في ستة أيام وسبع ليال حسوما أن تجعل إسرائيل أكبر بخمس مرات. ولم يكن شاه إيران ليرد طلبا للمدللة فرح ديبا. وجعلت أميلدا زوجها ماركوس الحذاء رقم ألف وواحد فأنشات أسطورة ألف حذاء وحذاء. ومن أعجب ما يورد الصافي سعيد قصة الخادمة زيلينا التي ملكت قلب ديكتاتور الدومينكان الأعمى جواشيم بالانغير الذي حكم منذ عام 61 وتجاوز التسعين، فكانت هي التي تحكم الديكتاتور. وأما ميرا ماركوفيتش فقالت عن زوجها سلوبودان قبل أن يصبح في محكمة لاهاي لمجرمي الحرب إنها كانت تضع له الأولاد والأفكار معاً. وأما الكسندرا موسوليني حفيدة الطاغية فالجماهير متعلقة بها ولها شفتان مكتنزتان تقولان بدون نطق. وصدام بدأ مثل ثعبان ولكنه عجز عن ابتلاع الكويت أو تقيؤه ولو تقدم خطوة إلى الأمام أوالخلف لتغيرت المعطيات كما يقول شفارتزكوبف. وكان بومبيدو إذا تذكر الحكم نشط من مرضه. ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه بعد طعنه إذا أرادوا أن يوقظوه من سكرات الموت أذّنوا في أذنيه، فهذا هو الفرق بين الناس. وتلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين.