أزعم أن أصدق وصف وأدقه لحالة المواطن العربي هو ذلك المرتبط بمطابقة واقعه على فيلم جيم كاري (ترومان شو) الممثل الأميركي الشهير الذي تدور حكايته عن مواطن بسيط يكتشف بعد مضي أكثر من ثلثي عمره أنه كان مراقباً من العالم بأسره حين اعتبرت حياته عبارة عن مسلسل حي ومباشر·
فالمواطن العربي بدأ يتسلل إلى مشاعره وتفاصيل يومه أنه بلا إرادة، فهو مسير بشكل تبعي مزعج ولا قوة لديه لمقاومة هذا الشعور، فالمراقبة من الغرب واردة حتى في لحظاته الحميمة·· والهيمنة وصلت إلى طعامه وملابسه وكرسي المكتب وبرنامج الحاسب الآلي، وربما دون شعور منه، صار يتصرف بتلقائية العبد المطيع الذي يمضي سائراً دون أسئلة أو استفهام·
فالتعليم محاصر بفكر (الغرب)، إن لم يتكلم لغتهم فقد يفقد فرصة وظيفة ذات مرتب مريح، وإن لم توافق على أن يلتحق ابنك بجامعة تحمل ذات النظم والفكر فهذا يعني أنك تغني خارج السرب وأنك مطرود من رحمة المستقبل الشهي لفلذة كبدك·
وحتى وإن كنت مواطناً مطحوناً لا تجد قوت يومك فلتكن أحلامك مصاغة من واقع الغرب البارد مناخاً والدافئ فرصاً واستثماراً·
فليكن لك أن تطرح بيتك في اكتتاب عالمي كشركة مساهمة في الاقتصاد العالمي، ولأن المتغيرات تذهب وفق اشتهاء الريح فعليك بمرجعية البعيد القادر على تقرير مصيرك خيراً منك·
كأننا جميعاً ممثلون على خشبة مسرح عالمية، بمآسينا المتراكمة والتي افتعلها الغرب واغتصب من خلالها اطمئنان المواطن وراحة باله وبالتالي فليتفرج الجميع على هؤلاء الشرذمة الذين طردهم التاريخ واعتبرهم البعض مجرد بدو رحّل لا يستحقون أكثر من واحة صحراوية صفراء وخيمة شعر وجمل هزيل يشاركهم قوتهم·
هذا الموقف الملتبس والذي فرض على المواطن العربي، جعل كثيراً من القيم في تداخل وتضاد وصراع بلا طائل حقيقي يذكر· بل صار علينا جميعاً أن نحني رؤوسنا لكل ما يقوله الغرب وننسى أن تاريخاً طويلاً من الاستعباد والذل والسيطرة الكولونية والعداء الصرف كان فعل الغرب الأصلي في القرن الماضي ضد أوطاننا العربية وغيره من دول عديدة·
وتفرض علينا اتفاقات تهدر قوانا الاقتصادية وتتيح الفرصة لقمع حقنا بالمعرفة من دون المرور عبر بوابة الغرب العظيم المبجل، فثوب الاستعمار تم استبداله بغيره من أمثال اتفاقيات الجات وغيرها والتي لن تعطينا إلا إمكانية الانصياع للأوامر بخضوع عجيب·
فالممارسات القسرية التي تمارس ضد المواطن استطاعت أن تسيجه بفكر وأهداف الغرب وإن تجرأ أحدنا وجاهر بجمال اسلامه ورقيه انضم بعدها فوراً إلى قوائم الاتهام والمعصية العظمى وخرج من حظيرة الرضا الغربي·
في الفيلم سابق الذكر يستطيع البطل المُراقَب الهرب والتحرر وماذا عنّا؟
دوائر القلق المفزعة قائمة، والحرية مطلب يبدو كأنه مستحيل وصعب والحاضر المتفجر بأحداثه وسخونة الدم المراق على أطراف الخريطة العربية تجعل الرقابة قائمة ورفضها مطلب انساني يحترم خصوصية الهوية ورفض سياسة العصا والجزرة ويترك للبشر فرصة الحياة دون ذل وانكسار وتهشم لأحلام المستقبل مهما كانت ليكفينا فقط أنها شيء خاص لا يمكن لسوانا استيعابه·