هناك أشياء رهيبة يتقول بها الناس على (جورج بوش)، منها على سبيل المثال إن رجاله لم يكونوا جادين بشأن التعهدات التي قطعوها على أنفسهم بالعمل على ضبط الميزانية، وان التخطيط لغزو العراق قد بدأ قبل وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر بسبعة شهور، وإنه لم يكن هناك أبدا أي دليل مؤكد على أن العراق كان يشكل تهديدا·· وإن الحرب على العراق قد أدت في الواقع إلى تقويض الحرب على الإرهاب العالمي·
وكان رد رجال الإدارة على ذلك أن تلك الزمرة الطائشة من كارهي بوش ليسوا إلا مجموعة من الأشخاص غريبي الأطوار ،الذين يقومون بتخريم أجسادهم، ويعشقون هوليوود، وينتمون إلى اليسار، والذين يجب أن يعودوا إلى الأماكن التي جاءوا منها في الأصل، وهي إما المكاتب التنفيذية لشركة ( الكوا) Alcoa أكبر شركة في العالم لمنتجات الألمونيوم، أو قاعات كلية حرب الجيش الأميركي·
لقد كنت واحدا من المعلقين السياسيين القلائل الذين لم يحتفوا بتعيين ( بول أونيل) كوزير للخزانة الأميركية· وفي الحقيقة أنني غير قادر حتى الآن على فهم السبب الذي لم يجعل السيد ( أونيل) - الذي يقول أصدقاؤه عنه إنه رجل صاحب مبادئ - يستقيل مبكرا من الإدارة التي كان من الواضح أنها يمكن أن توصف بأي شيء إلا أن تكون أمينة· ولكنه الآن يقوم بإظهار الشجاعة التي افتقدتها فيه في ذلك الوقت، عندما يزودونا بصورة فاضحة أن إدارة بوش تستمد قيمتها من أنها تأتي من رجل يعمل بداخلها·
إن كتاب (رون ساسكايند) الجديد الموسوم:( ثمن الولاء) مبني إلى حد كبير على عدد من المقابلات الشخصية التي تم إجراؤها مع السيد (أونيل)، أو على مواد ووثائق تم تقديمها من جانبه· إن هذا الكتاب يصور إدارة يتم فيها باستمرار تغليب الاعتبارات السياسية التي ترضي القاعدة الشعبية، على التحليل السياسي الجاد والرصين في كل موضوع من الموضوعات، بدءا من التخفيضات الضريبية، إلى سياسة التجارة الدولية والإحماء الحراري لكوكب الأرض· وإلى جانب ذلك هناك العديد من الحقائق التي تم الكشف عنها في هذا الكتاب والتي تمس الإدارة في الصميم· منها على سبيل المثال أن كلاً من السيد (أونيل) والسيد (آلان جريسبان) كانا يعرفان أنه من الخطأ أن يتم إجراء تلك التخفيضات الضريبية الهائلة التي اقترحها بوش، بناء على إحصائيات مشوبة بالشك عن فوائض سيتم تحقيقها في المستقبل· ويذكر في هذا السياق أنه في الوقت الذي قام فيه بوش باقتراح خفضه الضريبي ،كان يتم السخرية من النقاد الذين يقولون شيئا مثل ذلك الذي قاله السيد (أونيل)·
من ضمن الأشياء الأخرى التي كشف عنها كتاب(ساسكايند) أن بوش الذي أعلن في حملته الانتخابية عام 2000، أن الغالبية العظمى من الخفوضات الضريبية سوف تذهب إلى الفئات التي تقبع في قاع المجتمع، كان يعرف أن ما يقوله ليس صحيحا · والدليل على ذلك أنه أراد أن يتأكد بنفسه من أن إلغاء الضرائب على العوائد سوف يخدم فقط الشريحة العليا من المجتمع فقط، ولذلك سأل مستشاريه كأنما يريد أن يتأكد تماما من أن ذلك الخفض سوف يحقق مصلحة الأغنياء:(ألم نقم بالفعل بمنحهم - أي الأغنياء-فترة من الراحة؟)·
الحقيقة الأكثر إثارة للذهول من غيرها مما جاء في الكتاب هي أن وزير الدفاع (دونالد رامسفيلد) هو الذي دفع بفكرة (تغيير النظام) في العراق كطريقة لتغيير شكل الشرق الأوسط برمته وذلك في اجتماع مجلس الأمن القومي في فبراير 2001·
هناك الكثير غير ذلك من تلك الحقائق الكاشفة في كتاب (ساسكايند) وكلها سوف تفزع أولئك الذين لا يزالون يريدون أن يصدقوا أن قادتنا عقلاء وطيبون·
السؤال الذي يقفز إلى الذهن في هذه النقطة، هو ما إذا كان هذا الكتاب سوف يزيل الغشاوة عن عيون أولئك الذين يعتقدون أن أي شخص يقوم بانتقاد سياسة الخفض الضريبي للرئيس بوش لا بد أن يكون يساريا حاقدا ·· وأن أي أحد يقول إن الإدارة قد ضخمت التهديد الذي يمثله العراق هو من اتباع نظرية المؤامرة·
النقطة المهمة في الأمر ،هي أن نوعية الإثباتات التي يقدمها النقاد تتحسن باطراد· على ضوء ذلك قولوا لي بالله عليكم كيف يمكننا مثلا اعتبار تأكيد(هوارد دين) الذي عبر عنه، ومؤداه أن القبض على صدام حسين لم يجعل الولايات المتحدة أكثر أمنا، شاذا، عندما نقرأ بعد ذلك تقريرا صادرا من كلية حرب الجيش يقول إن الحرب على العراق كانت انحرافا عن الطريق المرسوم، وإنها أدت في النهاية إلى تقويض حربنا على الإرهاب؟ كيف يمكننا رفض اتهامات (ويسلي كلارك) وغيره من الذين يقولون إن الإدارة كانت تبحث عن عذر لغزو العراق، ونصفها بأنها اتهامات تدل على إصابة أصحابها بجنون الشك والارتياب·· بعد أن نقرأ الأدلة والوقائع التي تم الكشف عنها من قبل السيد (أونيل)·
كيف لنا أن نقول ذلك؟ إن مرور عدة شهور من الأنباء الطيبة، لا يعفي هذا النمط المستمر من القيادة غير الأمينة وغير المسؤولة·· خصوصا وأن هذا النمط يزداد صلابة ورسوخا بدرجة أصبح يتعذر معها إنكار وجوده·
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ