اتفق كل من الخصمين النوويين الهند وباكستان الأسبوع الماضي، على إجراء محادثات سلام جديدة فيما بينهما. وكان وقع ذلك الخبر على دول الجوار، ضربا من الشعور بالغبطة المشوبة بالتوجس والحذر. والسبب هو أن هذه لم تكن المرة الأولى التي تعقد فيها الدولتان محادثات سلام مشتركة، دون أن تفضي إلى أية نتيجة إيجابية. غير أن ثمة أخباراً سارة، لم تكن متوقعة في المنطقة، ربما تعطي المحادثات الهندية-الباكستانية المقبلة دفعة أمل جديدة. الإشارة هنا إلى نذر الفأل التي جاء يحملها معه الدستور الأفغاني الجديد. وهي نذر محملة بآمال تجاوز التناحرات الإقليمية التي طبع بها تاريخ منطقة جنوب القارة الآسيوية، فيما لو كتب للمنطقة أن تعيش حالة مستديمة من السلام.
فعلى خلفية دوي وانفجارات القنابل في الجبال الواقعة ما وراء العاصمة الأفغانية كابول، والاستعدادات الأمنية المتقطعة من حين لآخر، وأخطاء القصف الأميركي التي تخلف وراءها من ضحايا الأطفال الأفغان، أكثر مما تقتل الإرهابيين، كان من الممكن بسبب كل هذه الخلفية الملتهبة الحذرة دائما، ألا يتعدى الدستور الأفغاني الجديد الذي جرت إجازته مؤخرا، أكثر من مجرد إحدى سحابات صيف السلام العابرة، التي يعقبها فصل طويل ممتد من العداوات والخصومات المسلحة بين شتى الفصائل الأفغانية. إلا أن الحوار السياسي المدني الذي دار هناك، أثمر أخيرا عن خريطة طريق للانتخابات العامة التي ستجري في صيف هذا العام، إضافة إلى فتح نافذة واسعة أمام المستقبل السياسي الأوسع لذاك البلد.
السؤال الذي لا بد من طرحه: هل يمكن أن تحكم أفغانستان بدستورها الجديد؟ على المستوى النظري، الإجابة هي ( نعم). فقد حصل الرئيس المؤقت حامد قرضاي ورعاته الأميركيون على الوثيقة السياسية القانونية التي تلزمهم، بحكم ما يمنحه الدستور الجديد من شرعية وصلاحيات لحامد قرضاي. أما مجموعات المعارضة، فقد كفل لها الدستور حق حماية صوتها داخل البرلمان الأفغاني، بينما كفلت للنساء حقوقهن في المشاركة العامة. وفي الوقت ذاته، نالت الأقليات الإثنية حقوقها السياسية لأول مرة، وضمن ذلك نالت حقوقها اللغوية والثقافية أيضا.
ولكن على الصعيد العملي، فقد ظل شبح تاريخ الحروب الأفغانية مخيما على لوحة الدستور الجديد. فقد كان للمجاهدين اليد الطولى في كافة الإجراءات المتعلقة بصياغة وإجازة الدستور، علما بأنهم هم الذين أخذوا بزمام الأمور عقب اندحار الغزو السوفييتي لأفغانستان، وهم من يوجه إليهم اتهام الشعب الأفغاني، ويحملهم مسؤولية الدمار الذي حل ببلادهم. فبعض هؤلاء المجاهدين كانوا في السابق مخالب قط في يد القوى الأجنبية، وعملاء لها في الداخل. والآن فقد دشن بعضهم الحملة العسكرية الأميركية الحالية على الإرهاب، حتى أن بعضهم تربع على كراسي بعض مجلس الوزراء الحالي، بينما انتعش بعضهم الآخر في مناخ اقتصادي تغذيه تجارة المخدرات والرشوة والفساد والعصيان والتمرد. وقد شق الكثير من هؤلاء طريقهم إلى (اللويا جيرغا) الأفغاني أو الجمعية التشريعية بسحر الرشوة، وسرعان ما كشروا عن أنيابهم، ما أن وجهت لهم الانتقادات. ومن هؤلاء من يعمل على شق طريقه إلى كرسي البرلمان عنوة واقتدارا. وهم بهذا إنما يعكرون صفو الانتخابات، ويفسدون عليها نزاهتها المفترضة. وفيما لو واصل العنف فرض نفسه كلغة محتملة في العملية الانتخابية المقبلة، أو أدى لتأجيل مرحلة التصويت والاقتراع، فإن ذلك سيؤثر بالضرورة على شرعية الدستور نفسه، ومصداقيته.
لكل هذه الأسباب، فإن استدامة السلام في أفغانستان تتطلب أكثر من مجرد دستور ونصوص تشريعية. فهي فوق ذلك وقبله، تتطلب توفر الإرادة والنوايا الحسنة على امتداد البلاد كلها. كما تتطلب أن يتمتع قادتها بالرؤية السياسية الثاقبة المبصرة، فضلا عن توفر بيئة سياسية صحية ومعافاة، تدعم عملية بناء المجتمع المدني، الذي لا يلجأ لزناد البندقية في حسم خلافاته وصراعاته. وقد تم اختبار الرئيس الحالي حامد قرضاي مرارا، في ظل استمرار النزاع بين مختلف الفصائل الأفغانية، وفي ظل تكالب المصالح الأجنبية للقوات العسكرية والدول المشاركة في الحملة على الإرهاب، وكذلك في ظل الفقر، كواقع اقتصادي خلفته سنوات الحرب الطويلة التي شهدتها البلاد. وعلى قرضاي الآن، أن يتحمل وزر مواصلة قيادة دفة هذه السفينة، في مياه مضطربة، عاتية رياحها وأمواجها.
ثم إن القاعدة الانتخابية الأفغانية العنيدة، تطالب الحكومة بنتائج عملية ملموسة على صعيدي التنمية وإعادة البناء والتعمير. كما تطالب القاعدة الانتخابية بأن تتوفر لها الحماية اللازمة من عسف وسطوة لوردات الحرب. كما يتعين على قرضاي أن يعيد توازن موقفه من علاقات حلفائه الأجانب، الذين يطمح معظمهم لفوزه كرئيس شرعي للبلاد في الانتخابات المقبلة من ناحية، ومن ناحية أخرى، أن يحدد موطئ قدمه من قاعدة واتجاهات سياسية أفغانية، لا تعرف نواياها وأفضلياتها السياسية بعد.
وإن كان لأفغانستان أن تقف على قدميها مجددا، فإن عليها أن