لا أدري من هو ذلك العبقري المبتكر للمواسم الخاصة، للأنشطة المختلفة، تيمناً بفصول السنة ذات السمات المتمايزة· ولكن عندما نستعرض أنماط الأنشطة ما بين السياسية والثقافية، والاجتماعية، والرياضية نرى تزاحمها مع مواسم الفواكه والخضار، تلك المواسم التي اختلطت بفعل تقارب العالم عبر الفضاء مما جعل للاستيراد غلبة على الرزنامة الزراعية أينما تكون·
شخصياً، لست كثيرة الاعجاب بالمواسم مكثفة الأنشطة، وأرى فيها وضعاً يقربني من صورة من قتله الجوع أمام وجبة دسمة· يبدو أن هذا الأمر، هو ما أرادت الكويت أن تودع به عام 2003· فقد زخر النصف الثاني من ديسمبر 2003 بثلاثة أنشطة، حاول كل منها أن يسرق الأضواء من الآخر حتى تساءل الكويتيون وغلبهم الظن بأن يوم (الحشر) قادم في الغد لا محالة· فقد اختفت المراقد وأوشك بعض الزوار أن يفترشوا الأرصفة· مئات من الصحفيين والصحفيات من جل البلاد العربية إن لم يكن كلها، من المغرب العربي حتى الخليج، جاءوا لمتابعة أحداث قمة التعاون الخليجي وما رافقها من منغصات أمنية كانت -قطعاً- آخر ما يحتاجه الصحفي الزائر المتحفز دوماً لاقتناص فرص الزيارة القصيرة لاستثمار الوقت من أجل إرسال سبقه الصحفي، واختزان ما يمكن اختزانه من تجارب نمثل فيها نحن الكويتيين أدوار البطولة في صراحتنا، وتقديم المثال الصارخ لحرية صحافتنا، خاصة فيما كان يتعلق بمخرجات المؤتمر وبيانه الختامي ورأي الشارع ما بين المتوقع والمؤمل به·
وما أن خفت صوت الصخب السياسي حتى علا صوت التظاهرة الثقافية الموسمية السنوية لمعرض الكتاب، ومهرجان القرين وما يرافقه من أنشطة أدبية، وفنية استمرت حتى السادس والعشرين من الشهر، حين سلمت الأمانة إلى جماهير كرة القدم في مهرجانها الخليجي والتي نقلت الاهتمام من الرأس باتجاه القدم وسط غابة من السيقان الخليجية، في ذات الوقت الذي اختارت فيه مجلة (العربي) الفترة ما بين 27-29 ديسمبر 2003 لعقد ندوة غاية في الأهمية والجدية عنوانها (الغرب بعيون عربية)، وهي لعمري تجربة جديرة بالمتابعة جندت لها المجلة مجموعة متميزة من المفكرين والعلماء من المتعاطين بالشأن الثقافي· هذا الشأن اليتيم الذي تطاول عليه كثيرون ليسوا من أهله ولا داره، غافلين أو متغافلين عن حقيقة كون الإناء لابد وأن ينضح بما فيه فإن فرغ فهو لا ينضح بغير سراب يحسبه الجاهل ماء·
لكن مهما تفرقت الأنشطة أو تكثفت في زمن واحد في محاولة أن تستفيد الواحدة من الأخرى، جماهيرياً ستظل معارض الكتب تتجه نحو قلة الشأن كلما ازداد قيد الرقابة على الفكر والتعبير وهذه بيئة لا يمكن أن ينمو فيها الوعي بأهمية الثقافة، والتدقيق، والإحساس بالمحيط الثقافي والمشاركة فيه· لقد أصبحت معارض الكتب -والحديث عن الكويت- هي أقرب لبرودة الروتين والرتابة، منها لحرارة الفكر، والتجديد، وغياب الحوار· والنقد الجاد جعل المعارض تسير باتجاه واحد لا تبدو معالمه للمواطن الذي يسايره حتى يشاركه هذه الصفة·
ربع قرن مضى ونحن نكرر ذات التجربة التي أوصلتنا إلى نتيجة غريبة وهي تشديد الرقابة على كتب سبق لنا الإطلاع عليها أو قراءتها منذ عشرات السنين· أتراه، ذلك الخمول الذي استوطن أطراف الجسد العربي قد وصل إلى رأسه أم أنها اللغة العربية، ما زالت مصرة على الاحتفاظ برزانتها والدينار لا يشتري الرزانة بل يفضل عليها صخب الصحف وألوان المجلات!