فضيلة الصمت التي قيل ان الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، لا فضَ فوه، لايزال يعتصم بها، في مواجهة محققي الـ ''سي·آي·إيه '' ومفوضي الـ ''إف·بي·آي'' الذين يزورونه بانتظام لمدة اثنتي عشرة ساعة في اليوم ، بالرغم من مرور أكثر من شهر على اعتقاله ، قد لا يستمر في التمسك بها طويلا، فهو لم يعتد على الصمت طوال سنوات حكمه التي قاربت الأربعين عاما، حيث كان الصوت الوحيد ، الذي يطلق التهديد والوعيد ، والنغم النشاز الذي طالما شوش على كل ماعداه ، فارضا بالاكراه إيقاعه الأعرج على كافة أوجه الحياة في العراق وفي المنطقة وفي العالم كله ·
ترداد الحديث عن صمت صدام وصموده ، حكاية اصطنعها المعنيون بأمره قصدا ، ليصدقها الملتهون بأمره جدا ، وليضيفوا عليها من نسج خيالاتهم العامرة بحكايات وروايات البطولات الزائفة التي لم يظهر لها أثر إلا في شعبه ، مقابر جماعية أخرج ما في جوفها من عظام وجماجم تكاد تنطق بما حصل لها ، وأقبية تعذيب وأحواض تذويب لايزال صدى صرخات الضحايا يدوي في أرجائها الخاوية ، وفقر وبؤس لم تسترهما أقنعة التمويه والتضليل التي ألبسها النظام السابق لكل العراق، حتى انكشف الحال في كل الامكنة التي كانت تحت سلطته ، وتلك التي امتدت اليها يداه ذات ليل ، ويا له من حال تعجز عن وصفه كل وسائل التصوير والتعبير ، فسواء سكت صدام حسين أو تكلم ، فالأمر سيان ، فقد بعثر ما كان مطمورا تحت التراب ، وعرف ما كان مخفيا بين ساحات الغياب ·
إن تواتر الأنباء عن اكتشاف قذائف مدفعية محشوة بمواد كيماوية محظورة ، وبعد إضفاء صفة أسير الحرب على صدام حسين ليكون مثله مثل الضباط والجنود الذين أسروا في ساحة المعركة ، أمر له دلالاته العميقة على أكثر من صعيد، منها: هتك وخرق جدار الصمت المصطنع الذي لف حول الرئيس السابق ، وتعميق الشروخ في صورته المهزوزة التي ظهر عليها عند اعتقاله ، وما يلي ذلك من إحباط فوق إحباطات أتباعه ومريديه ، ثم ترميم الصدوع والفجوات التي ضربت مبررات التحالف لشن الحرب وإطاحة صدام ، ومن ثم حسم الجدل وتبديد سحب البلبلة التي تخيم على الرأي العام حيال امتلاكه أسلحة دمار شامل ، وهذا شأن التحالف ، أما شأن العراقيين فإن الهمَ قد انزاح وانجلى الى غير رجعة.