ليس ثمة جديد في الفكرة القائلة إننا نحن الأميركيين منقسمون على أنفسنا بدرجة كبيرة. فقد كتب الكثير حول انقساماتنا الإقليمية أو الإثنية، أو عن تلك الخلافات التي تنشأ أحيانا وعلى نحو مؤقت، بين الأميركيين بالمواطنة والميلاد، ومن ينظر إليهم على أنهم مهاجرون مشتبه في أصولهم الأميركية. غير أن دراسة جديدة صدرت خلال الأسبوع الماضي، أكدت على وجود استقطاب وانقسامات عميقة وجديدة بين الأميركيين، تبين الطريقة التي ينظر بها الأميركيون إلى أنفسهم ومعنى أن يكون الواحد منهم أميركيا، فضلا عن اختلاف الرؤى حول الدور المفترض أن تلعبه أميركا في المسرح الدولي. تحمل الدراسة المشار إليها عنوان (أمتان: زرقاء وحمراء) وهي من إعداد كل من براد أوليري، وهو باحث أميركي بارز من تيار المحافظين، والبروفيسور جون كنيث وايت، وهو مؤرخ ثقافي، إلى جانب جون زغبي، المختص في مجال استطلاعات الرأي.
في هذه الدراسة، اضطلع الباحثون بإجراء دراسة مقارنة لآراء الأميركيين الثقافية والسياسية في ثلاثين ولاية صوتت لصالح الرئيس جورج بوش في انتخابات عام 2000، قياسا إلى آراء الأميركيين في العشرين ولاية أخرى التي صوتت لصالح المرشح الديمقراطي آل جور في الانتخابات ذاتها، إلى جانبها منطقة كولومبيا. وقد أطلقت الدراسة على الولايات المؤيدة لبوش تسمية (الحمر) بينما أطلقت تسمية (الزرق) على تلك التي أيدت آل جور. وتكشف من خلال الدراسة أن الأميركيين في الولايات المذكورة ينقسمون فيما بينهم ديموغرافيا وآيديولوجيا إلى درجة كبيرة.
فعلى سبيل المثال، فإن في الولايات الزرقاء عدداً أقل من المسنين، ومالكي الأسلحة النارية والمواظبين على أداء الصلوات الكنسية والبروتستانت، وعدد أقل كذلك من قدامى المحاربين والمستثمرين، وسكان الريف. وعلى عكس ذلك نجد أعدادا أقل من الناخبين الشباب والكاثوليك وخريجي الكليات والجامعات. هذه التباينات الديموغرافية والثقافية الحادة، لا تعكس سلوكا انتخابيا مغايرا فحسب، وإنما تحدد فوق ذلك، معنى أن يكون الإنسان أميركيا، بل وما يجب أن تكون عليه السياسات الداخلية والخارجية الأميركية. أهم من ذلك، أن التباينات المذكورة نفسها، ظلت بجديتها وحقيقتها نفسها، التي كانت عليها في انتخابات عام 2000· وفيما لو أجريت انتخابات شهر نوفمبر المقبلة اليوم، فإن المتوقع أن يفوز الرئيس جورج بوش في الولايات الحمراء المؤيدة له، بهامش 10 في المئة من أصوات الناخبين، بينما يتوقع لمنافسه المرشح الديمقراطي أن يفوز بهامش 11 في المئة من أصوات الناخبين في الولايات الزرقاء الداعمة للديمقراطيين.
ولا يتوقف الفارق في حدود أنماط السلوك الانتخابي فحسب، كما سبق القول، وإنما في الآراء والتصورات كلها. فبينما يؤمن الناخبون الحمر بإطلاقية القيم الأخلاقية، نجد أن ناخبي الولايات الزرقاء يؤمنون بفلسفة تنظر إلى الأخلاق نظرة نسبية، تحددها الأحوال والظروف. ولا شك أن لهذه الاختلافات تأثيرها الكبير على موقف كلا الطرفين من أهم وأكبر القضايا التي تجري مناقشتها حاليا. وعليه فإن الأكثر ترجيحا ألا يؤيد الناخبون الحمر مثلا، قوانين وتشريعات الإجهاض، أو ما يسمى بالاتحادات المدنية.
كما كشفت استطلاعات الرأي والدراسة أيضا عن أن الناخبين الحمر أكثر ميلا من الزرق، لتأييد الاستجابة العسكرية الأحادية من قبل الإدارة الحالية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001· على نقيض ذلك، يبدو الناخبون الزرق أكثر ميلا للعمل الجماعي المشترك عبر الأمم المتحدة. فقد رأت أغلبية الحمر الذين استطلعت آراؤهم حول ما إذا كانوا يفضلون بقاء القوات الأميركية في العراق إلى حين استقرار الأوضاع وتشكيل حكومة عراقية قوية هناك، أم عودة تلك القوات فوراً إلى أرض الوطن، وترك مسألة العراق لمسؤولية المجتمع الدولي والأمم المتحدة، رأت الأغلبية أن من الأفضل دون أدنى شك هو أن يستمر الدور الأميركي هناك إلى حين اكتمال مهمته. على نقيض ذلك بالطبع كان رأي الناخبين الزرق، الذين فضلت أغلبيتهم ترك مهمة العراق بيد قوات دولية لحفظ السلام، وإدارة شؤونه من قبل سلطة دولية تحددها الأمم المتحدة.
وفي الإجابة على سؤال يتعلق بمدى الشعور بالرضا تجاه أداء إدارة الرئيس بوش، أجابت غالبية الناخبين الحمر برضاها عن الجهود التي تبذلها الإدارة الحالية، بينما كانت النتيجة على عكس ذلك من جانب أغلبية الناخبين الزرق. كل ذلك أدى بمعدي الدراسة المذكورة لاستنتاج أن الناخبين الأميركيين ظلوا كما هم بدرجة كبيرة· عودة لانتخابات عام 2000 المثيرة للجدل، والتي لم يكتب فيها الفوز للرئيس بوش إلا بقرار قضائي صادر عن المحكمة. فالناخبون الزرق لا زالوا على قناعتهم بأن وصول بوش إلى البيت الأبيض كان مسروقا ولم يتم عن طريق الشرعية. ذلك هو ما أكدته 44 في المئة من آرائهم المستطلعة. صحيح أن استجابة بوش لهجمات الحادي عشر من سبتمبر قد أكسبته قدرا كبيرا من الشرعية في الشارع الأميركي، وزادت من شعبيته. غير أن جملة السياسات التي تبن