مع منعطف العام ينبغي على المرء أن يقوم بإجراء جرد للموضوعات ذات الأهمية الحيوية. عندما فعلت ذلك واجهني السؤال التالي الكبير بشأن العام الجديد الذي دخلنا فيه بالفعل: كيف يمكننا، خلال هذا العام أن نرى الأربعة في المئة من سكان العالم - أي الأميركيين - وهم يتفاعلون مع الستة وتسعين في المئة الآخرين من سكان العالم؟
في مارس الماضي، أخذ الرئيس بوش على عاتقه مهمة شن حرب لإجراء تغيير شامل للنظام الحاكم في العراق. وقد قام الرئيس باتخاذ هذا القرار بمفرده، وتلقى دعما عسكريا من دولتين أخريين وهما بريطانيا وأسبانيا. وقبل ذلك كان (بوش) قد ضغط بشدة على الأمم المتحدة للقيام بتفتيشات صارمة وشاملة على برامج الأسلحة العراقية، وهو ما قامت به المنظمة الأممية بالفعل. مع ذلك فإن بوش، عندما ذهب إلى الحرب، قام بتهميش الأمم المتحدة تماما، متحديا بذلك رغبات دول العالم كله تقريبا، بما في ذلك بعض الدول التي ظلت لفترة طويلة حليفا وثيقا لواشنطن ، كما تحدى شعوبها أيضا والتي يبلغ تعدادها 5.8 مليار إنسان.
لقد عرفت ذلك عن قرب ،من خلال تواجدي في أفريقيا معظم الفترة التي استغرقتها الحرب. وبعد أن انتهت الحرب ذهبت إلى أوروبا، وإلى الصين. ومن بين المئات من غير الأميركيين الذين تحدثت معهم، لم يكن هناك سوى نسبة ضئيلة من الأشخاص الذين عبروا عن أي قدر من التعاطف أو الدعم مع الولايات المتحدة، لا تتجاوز عشرين في المئة فقط من مجموع الأشخاص الذين قمت بمقابلتهم ( بعض هؤلاء الأشخاص الذين أعربوا عن تأييدهم كانوا من البريطانيين ،الذي اكتشفوا بحلول منتصف العام، أن تأييدهم لم يكن في محله، وبالتالي تراجعوا عنه)·
ادعى بوش أنه كان بحاجة إلى شن الحرب، بسبب التهديد الوشيك الذي كان يشكله برنامج العراق لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، وبسبب الصلات القائمة بين نظامه، وتنظيم (القاعدة) على الأمن القومي الأميركي، أو الأمن العالمي بشكل عام. ولكن الذي حدث هو، أنه وعلى رغم أن قوات التحالف موجودة في العراق منذ ما يزيد عن ثمانية شهور، وتسيطر على كافة أجزائه، ولديها القدرة على الوصول إلى أي مكان، والدخول إلى أي موقع، وتعتقل معظم رؤوس النظام السابق، إلا أن تلك القوات لم تعثر -حتى الآن- على أي دليل يمكن استخدامه لإثبات صحة الحجة التي ساقتها الإدارة الأميركية لشن الحرب على العراق، وهي أن نظام صدام حسين كان يشكل تهديدا مباشرا ووشيكا للأمن القومي الأميركي والدولي. طالما أن الأمر كذلك فما الذي حدث إذاً؟ الذي حدث هو أنه من خلال عملية اعتمدت على بعض المعلومات والاستخبارات التي تم جمعها بطريقة انتقائية وحسب الرغبة، تمكن بعض دعاة الحرب المؤدلجين، من إقناع أنفسهم، والرئيس كذلك، بأن الدعاوى المتعلقة بامتلاك نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، وعلاقاته مع تنظيم (القاعدة) صحيحة. وكانت هذه الانتقائية التي كانت سببا أدى إلى تسييس، أو إضفاء صبغة سياسية على المعلومات التي وصلت للرئيس، عملية غير مقبولة على الإطلاق في أية دولة ديمقراطية.
إعادة كتابة التاريخ من الأمور غير المقبولة بالنسبة للديمقراطيات أيضا. لقد حاول مسؤولو الإدارة الأميركية مؤخرا الادعاء بأن الحرب لم تكن في الحقيقة بشأن أسلحة الدمار الشامل ولكنها كانت بهدف (إدخال الديمقراطية في العراق)، على رغم أن تركيز الرئيس بوش الأساسي قبل اندلاع الحرب في التاسع عشر من شهر مارس الماضي، كان على التهديد الذي تشكله برامج العراق لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، وصلاته المزعومة بتنظيم (القاعدة)·
وفي غمرة اندفاع بوش لشن الحرب على العراق، ظلت هناك بعض الجوانب المثيرة للانزعاج. من تلك الجوانب أن شن الحرب على العراق قد استنزف موارد الأمن القومي، ووجهها بعيدا عن الحملة التي لا تزال مركزية، وهي الحملة الهادفة إلى ضرب تنظيم (القاعدة) وتعطيله عن العمل. الجانب الثاني المثير للانزعاج هو أن الإدارة الأميركية قد أصابت الأمم المتحدة -الهيئة ساعدت على المحافظة على السلام العالمي خلال الستين عاما الأخيرة- بجروح خطيرة. وعلى رغم أن الحرب قد أدت إلى الإطاحة بنظام صدام حسين، فإنها ألحقت أيضا أذى جسيما بالشعب العراقي، وهي حقيقة تجعل من استعادة السلام الأهلي في العراق مسألة تبدو بعيدة الآن.
ورئيسينا يعتمد على حب الديمقراطية المتجذر في نفوس معظم أفراد شعبنا عندما يتحدث عن رغبته في تحقيق الديمقراطية للشعوب المقهورة في أماكن أخرى. مع ذلك فإن سلوكه في الشؤون الدولية العام الماضي، كان مفتقدا لبعض العناصر الديمقراطية الجوهرية منها التعامل القائم على الاحترام مع زعماء وشعوب الدول الأخرى، وتقديم الأدلة على أمانته، وعلى وجود مبدأ المساءلة في الداخل. وفوق هذا كله إدراك أن الديمقراطية لا يمكن (تصديرها) إلى الأمم الأخرى عن طريق العنف والحرب والقوة.
إن ما هو مطلوب في العام الذي أمامنا، هو القيام بمحاولة جادة من قبل جميع أولئك الذي يطمحون في قيادة أميركا للعالم، من أجل مراجعة وتقييم مكامن الخطأ في ف