أعلن أرييل شارون في خطابه في مؤتمر الأمن في هرتسيليا في الشهر الماضي خطته للانفصال عن الشعب الفلسطيني· وهو في الوقت نفسه ركز على ضرورة التنسيق الاستراتيجي مع الإدارة الأميركية الآن وفي المستقبل· وإذا كانت أفكار شارون هذه التي عرضها قديمة، فإن الجديد فيها هو تركيزه على ما سماه (السياج الأمني) الذي يفصل المناطق الفلسطينية (المأهولة) عن المناطق (الخاضعة للسيادة الفلسطينية)· ولم يدعُ شارون إلى انسحاب إسرائيلي وإنما أصر على (إخلاء للمستوطنين) وذلك بوضع جنود إسرائيليين مكانهم· وفي الوقت نفسه أعلنت إسرائيل خطتها لتوسيع وتعزيز الاحتلال في هضبة الجولان السورية وذلك بزيادة الاستيطان بنسبة 50%، وهذا يستدعي إنشاء مستعمرات جديدة في الجولان المحتل·
وفي الوقت نفسه أعلن وزير العدل الإسرائيلي خشيته من أن تعزل إسرائيل دولياُ كعزلة نظام الفصل العنصري (آبارتيد) في جنوبي إفريقيا بسبب هذا السور الذي تبنيه· ذلك أن سور برلين فصل ما بين أبناء الدولة الواحدة في دولتين، أما سور إسرائيل فيؤكد سيادة واحدة فقط في فصل عنصري يؤكد عنصرية الصهيونية واقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم ويلقيهم خارج حدود وطنهم· إنه يكرر ما أحدثه الإرهاب الصهيوني في العامين 1948 و1949· وهكذا تفوقت عنصرية إسرائيل على الآبارتايد نفسه· فمستعمرة (معالي آدوميم) مثلا وهي أكبر مستعمرة في منطقة القدس تتم إحاطتها بالسور الفاصل لتصبح بذلك جزءاً من بلدية الاحتلال·
لقد هدف شارون من خطته هذه إلى الإجابة المباشرة على الدعوة السورية إلى التفاوض، وذلك بجعل شروط التفاوض أكثر صعوبة بتغيير معالم الأرض· كما هدف إلى جعل الدولة الفلسطينية المنشودة أمرا مستحيلا، إذ يقتطع السور من الضفة الغربية ما يزيد على
85% ومن قطاع غزة ما يزيد على 20% ويشرد من أبناء الشعب الفلسطيني بين 100 ألف و200 ألف· والسور مخالف لاتفاق لاهاي 1907 ومعاهدة جنيف الرابعة 1949 والأعراف الإنسانية وحقوق الإنسان المستقرة والأساسية· فالسور تعبير مادي عن الطابع البانتوستاني الذي يفرضه على الأرض الفلسطينية· وهو يقسم -حتى الآن- الشعب الفلسطيني إلى خمسة (كانتونات) أو بانتوستانات غير متاخمة لبعضها بعضا ومحرومة من الحدود الدولية، ما يحرم إمكانية قيام دولة فلسطينية قادرة على البقاء وبخاصة أنه يعطل إقامة اقتصاد قادر على الحياة· ذلك أن هذه البانتوستانات تحبس الشعب الفلسطيني في أقفاص· لهذا وصف أحد الكتاب الإسرائيليين السور بأنه (الجوار الطيب الذي لا يتمخض عن جوار طيب عندما يمر في أراضي الجار ويحرمه منها· فآلاف الفلسطينيين سيجدون أنفسهم في جيوب معزولة وآلاف المزارعين الذين عزلوا عن أراضيهم هم جميعاُ الاحتياطي القادم للكراهية واليأس والبنية التحتية للإرهاب··· إذا كانت إسرائيل معنية بجدار أمني يوفر لها الحماية فالحل بسيط جدا: لقد كان عليها أن تبنيه على الخط الأخضر بدون انحرافات··· إن الجزء الأكبر من الجدار أقيم على أراضي الفلسطينيين ولا يستطيع أحد أن يقبل ادعاء إسرائيل بأن هذا الجدار ليس سياسيا· إن المغزى الحقيقي لهذا الجدار هو تبديد آخر الفرص المتاحة أمام التسوية السياسية··· هذا الجدار لن يؤدي إلى الفصل بين الشعبين وإنما سيكرس التداخل غير السليم بينهما، هذا التداخل القائم بين المحتل والواقع تحت الاحتلال ومن خلال سده الطريق أمام أي إمكانية لإنشاء دولة فلسطينية حقيقية)· نضيف إلى ذلك ما قاله الإعلامي الإسرائيلي جدعون ليفي لرئيس وزرائه بشأن السور، وهو أن شارون يضع بذلك عرقلة جديدة أمام (خريطة الطريق)، المشروع الذي تصفه الإدارة الأميركية الحالية بأنه دولي· وقد راكم شارون بقراره بشأن الجولان المحتل أسبابا أخرى لتعطيل كل ما يتعلق بالتسوية السلمية للصراع، على أساس قرار مؤتمر بيروت (29/4/2002) أو على أساس الشرعية الدولية أو مؤتمر مدريد (1991)·
إن القرار الذي حصلت عليه المجموعة العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة يشكل مستندا ًرئيساً، لأنه يدعو الجهاز القضائي الدولي إلى أن يصدر قراراً قضائياً بشأن السور ومدى حق إسرائيل في إقامته مدعاة للقيام بتحرك عربي حكومي وشعبي لدعم هذا القرار وتوضيح الموقف العربي، بشقيه الرسمي والشعبي، بشأن بناء السور وبشأن ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني، إذ يمكن، بعد ذلك، وبخاصة إذا صدر قرار المحكمة الدولية بعدم شرعية البناء، بأن يستهدف التحرك عملية البناء ذاتها والقائمين عليها والداعمين لها على رغم أنف واشنطن وتل أبيب التي خصصت حتى الآن، ما يزيد على 750 مليون شيكل، إضافة إلى مبلغ خصصته وزارة المالية الإسرائيلية وهو 160 مليون دولار لبناء أجزاء جديدة من السور·