الفكرة أداة لابد من إعمالها، وقد يصيبها الوهن والضعف، وقد تعتدل وتتوسط، وقد تجنح إلى الزيغ والانحراف والتطرف· والفكر إما أن يقيّد وإما أن يكون حراً، فإن قيّد أصيب في مقتل وربما جنح بسبب ذلك إلى الغلو والانحراف فعربد وتخبط، وهو مع ذلك يتصلب ويشتد ويتأزم ولا يعرف اللين له سبيلا خاصة إن خطا خطوات في غلوه وانحرافه، لأنه يحاول أن يثبّت ذاته وصوابه·
وهذا ما يحدث الآن في عالمنا الذي كثرت فيه الدماء المراقة بحق أو بغير حق، أضف إلى ذلك الوهم الذي يخيم على سافكي الدماء حين يظنون أنهم يدافعون عن الحرية والديمقراطية اللتان باتتا شعارين أجوفين·
لقد صار التضييق كل التضييق على الفكر الإسلامي فحسب، بل إن كل متفوّه عن الإسلام متطرف أو إرهابي أو متشدد، وكل علماني أو شيوعي أو رأسمالي غربي معتدل، ومكافح ومناضل، وبذلك تم تجاهل شريحة عظيمة وقاعدة عريضة من الانسانية، هذه القاعدة لا يسمح لها بالكلام وإن تكلمت فعليها تضييق وقيود· فالعرب إرهابيون حين يقتلون يهوديا، والعرب لا يجب أن يملكوا أسلحة دمار شامل لأن هذا يهدد أمن الإنسانية أما اليهود فلا بأس من أن يملكوها ومبررات ذلك -عندهم- كثيرة، وقناعتهم بها متوفرة· ولهم أيضاً أن يصدروا ما شاءوا من القوانين ضد الإسلام وليس للإسلام أن يفعل ذلك، وإن فعل فالويل له ولأهله من الغرب وإعلامه· وقضية الحجاب المثارة الآن في فرنسا خير دليل على ذلك، والتي صار لها ضجيج في بلد يدعي الحرية، أليس من الحرية أن يمارس كل ذي دين تعاليم دينه؟! ومن العجيب أن يقال إن من حق فرنسا أن تصدر ذلك القانون، ومبرر ذلك أنه شأن يخص بلادهم وعليه فهل يقال إنه من حقنا في بلاد الإسلام أن نفرض الحجاب على الأجانب؟ إن صح هذا القول فهل يقبله الأوروبيون؟! أم ساعتئذ سيشرق علينا الوجه المشرق للحرية؟!
سليمان العايدي - أبوظبي