البيان الذي أصدرته قمة دول مجلس التعاون الخليجي في الشهر الماضي في الكويت والمتعلق بالعراق والداعي إلى استقراره وأمنه ومطالبتهم دول التحالف الغربي الإسراع بإعادة السيادة للشعب العراقي بأسرع وقت ممكن لا يكفي اليوم بعد أن اكتشفنا أن هنالك تحركات غريبة يدعو إليها المسؤولون الأكراد في مجلس الحكم الذين تقدموا بمشروع قانون ينص على إنشاء اتحاد فيدرالي في العراق يضم فيه منطقة كركوك الغنية بالنفط إلى المنطقة الكردية· الولايات المتحدة وعلى لسان وزير الخارجية كولن باول أعلنت التزامها بوحدة العراق كما أكدت أن الأمر النهائي بشأن الفيدرالية سيتخذه العراقيورن أنفسهم· سوريا وتركيا أعلنتا في بيانهما المشترك رفضهما لمنح الأكراد الاستقلال الذاتي في شمال العراق·
لماذا نعتقد أن على دول الخليج العربية التحرك بسرعة لحث أميركا وتركيا وإيران وغيرها من الدول على رفض أية محاولة كردية للاستقلال عن العراق تحت أي مسمى؟
لقد باركنا في السابق سقوط نظام الطاغية في بغداد بقيام دولة عراقية جديدة ديمقراطية في توجهاتها وتعتمد النظام الديمقراطي البرلماني التعددي الفيدرالي، وقد اعتمدت اللجنة التي شكلها مجلس الحكم الانتقالي لوضع الدستور الجديد كل هذه الأمور وأكدت على مبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ المراجعة القانونية، أما ما يخص الأكراد فإنهم سيستمرون بالاحتفاظ بالحكم الذاتي الذي ظلوا يتمتعون به منذ حرب الخليج عام 1991·
إذاً ما هو الجديد؟ الجديد أن الأكراد (طالباني والبرزاني) يصرون على أن التقسيم الفيدرالي يجب أن يكون على الأسس القومية والجغرافية بينما يرى أغلبية العراقيين أن التقسيم الفيدرالي يجب أن يكون حسب تقسيم المحافظات (فيدرالية المحافظات) لردع أية محاولات انفصالية داعية إلى الفيدرالية القومية والإقليمية·
المطلوب اليوم هو تأكيد الوحدة الوطنية بين جميع فئات الشعب العراقي بحيث لا تصبح هنالك أية امتيازات لفئة معينة ضد فئة أخرى·
الأكراد حاربوا لفترة طويلة محاولة الحكومات المركزية المتعددة التي تهضم حقوقهم كجزء أصيل من الشعب العراقي، فماذا يحاول قادتهم اليوم بعد تحرير العراق والعمل على إقامة نظام سياسي ديمقراطي تعددي تتساوى فيه جميع القوميات والأديان والطوائف؟ لماذا يريد الأكراد أخذ منطقة كركوك ولماذا قام قادتهم بحرق الإحصاء (دوائر النفوس) والأحوال الشخصية وسجلات الدوائر العقارية في مدينة كركوك؟ الغرض واضح ومكشوف وهو طمس المعالم الديمغرافية للمدينة باعتبار أن هذه السجلات تعود إلى نظام صدام حسين كما أكد ذلك السيد جلال الطالباني·
على قادة الأكراد فهم حقيقة أن العالم اليوم تغير بسرعة ونحن نعيش في عصر العولمة الذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة، ولم تعد هنالك قوة حقيقية للدولة القومية كما كانت في السابق، فما بالك بقيام دولة قومية عنصرية خاصة بالأكراد فقط ترفض قيامها كل الدول المحيطة بمنطقة كردستان وهي تحديداً تركيا - إيران - العراق - سوريا·
لقد عانى الأكراد الكثير من حكم الحكومات المركزية المتعاقبة في بغداد وكذلك عانت الأقليات الأخرى في العراق· اليوم تغيرت الأمور، والولايات المتحدة عقدت العزم على قيام دولة ديمقراطية تعددية في العراق، متعددة القوميات والأعراق والأديان يتساوى فيها جميع المواطنين سواء كان مقر معيشتهم في الشمال أو الوسط أو الجنوب·
وأخيراً نطالب دول مجلس التعاون الخليجي بوضع خلافاتها حول العراق جانباً والاتفاق على موقف موحد يدعم وحدة العراق التاريخية ويرفض كل محاولة للانفصال تحت مسمى الفيدرالية· وعلى دول مجلس التعاون التأكيد على حقيقة أن الشعب العراقي بكل فئاته وطوائفه وقومياته وأديانه عاش متوحداً متآخياً طوال تاريخه الطويل، فلا يمكن لدول المجلس اليوم قبول الانفصال ولو شكلياً في مرحلة يتم فيها وضع دستور جديد لدولة ديمقراطية تعددية تضمن حقوق وواجبات جميع المواطنين العراقيين دون تفرقة·