في الرابع من هذا الشهر نشرت صحيفة (الصنداي اكسبرس) الصادرة عن جريدة (الديلي اكسبرس) البريطانية مقالاً كان قد سبق نشره (حسب معلومات الزميل جهاد الخازن) في نفس الصحيفة في السادس من أبريل 2003 للنائب العمالي السابق، ومقدم البرنامج التلفزيوني الشهير (كيلروي)· في أبريل الماضي لم يعترض على المقال أحد، أما في الرابع من هذا الشهر فقد (قامت قيامة) أمة العرب وغير العرب في بريطانيا ولم تقعد· وقد حمل المقال عنواناً مثيراً هو (لسنا مدينين بشيء للعرب)·
المقالة فيها من الجهل، أكثر مما فيها من الحقارة· حقارة العنصرية البغيضة التي تعتبر أن (تدمير دول عربية ديكتاتورية وبربرية وفاسدة يجب أن يكون هدفاً للحرب)· وحقارة الجاهل الذي لا يميز بين العرب وبعض المجرمين فيشمل الجميع ويقول: إن العرب يهددون المدنيين منا بأسلحة كيمياوية وبيولوجية ويعدون بإطلاق انتحاريين في المدن الغربية والأميركية· ومما جاء في مقالة كيلروي (إن على العرب أن يركعوا ويشكروا الله على كرم وجود الولايات المتحدة···)·
روبرت كيلروي يقدم منذ سنوات أحد أنجح البرامج الحوارية ذا طابع اجتماعي في معظم الأحيان· برنامجه صباحي، تحضره سيدات البيوت أو الذين يذهبون إلى أعمالهم بعد الساعة العاشرة صباحاً· غالباً ما يستقبل العجائز والمثليين والمطلقات وكل ما يفرزه المجتمع البريطاني من مشكلات يعرضها على ضيوفه ويسمح لأصحاب التجربة والتجربة المضادة بعرض الوقائع· برنامجه شعبي ومحبوب، وغالباً ما ناول كيلروي مظلوماً يبكي ظلم البشرية منديلاً ليمسح دمعة، وكثيراً ما أمسك بيد سيدة عجوز جار عليها الزمن· وهذه شهادة لابد منها في حق الرجل·
إلا أن المقدم الستيني صاحب الشعر الأشيب، لم ينصف في مقاله كما كان ينصف في برنامجه على قناة الـ(بي بي سي)، وترك لعجرفته وجهله العنان، فراح يخبط خبط عشواء العرب والعاربة وكأن العرب لم يكن ينقصهم من الذمامين سوى السيد كيلروي·
المفرح في هذه المعمعة، أن عرب بريطانيا وإنجليزها لم يصمتوا، ونجحت الضغوط التي مارستها تنظيمات عربية وإسلامية وبريطانية شعبية ومنظمة في دفع محطة الـ(بي بي سي) التلفزيونية إلى وقف برنامج كيلروي الحواري الصباحي والأكثر شهرة بين برامج المحطة إلى حين انتهاء التحقيقات التي بدأتها الشرطة البريطانية في الاتهامات الموجهة إلى كيلروي من قبل (لجنة المساواة العرقية)، و(مجلس التفاهم العربي-البريطاني) (كابو) التي وصفت المقال بأنه لم يفرق بين العرب والمسلمين العاديين وعناصر قليلة جداً ترتكب الإرهاب، وأنه يتناقض في توجهاته مع الشروط التي تطبقها هيئة الإذاعة البريطانية، والتي يغطي نفقاتها دافع الضرائب البريطاني·
والمفرح أيضاً أن عرب بريطانيا ومسلميها استفاق وعيهم وإدراكهم لكينونتهم وجذورهم وهويتهم، بدليل أن ما نشر قبل 9 أشهر -وهو نفس الذي نشر اليوم- لم يحرك فيهم ساكناً·عندها. أما اليوم فقد ولّى صوتاً وموقفاً. يقول كيلروي في مقاله: لسنا مدينين للعرب بشيء، باستثناء النفط الذي اكتشفناه وأنتجناه ويدفع الغرب ثمنه· فبماذا يساهم العرب؟ هل يمكن التفكير بشيء، أي شيء مفيد؟ أي شيء ذي قيمة؟ لا يمكنني تذكر شيء؟···
لكيلروي الذي كنت من المعجبين ببرنامجه، ولكل الذين يعجبهم هذا النقد اللاذع -وقد يرددون مثله في سرهم أو جهاراً- أقدم معلومة واحدة: يا سيدي لتعلم أن 36% من الأطباء في بريطانيا هم من العرب· ولا أود أن أعدد علماء الحاضر أو أن أعود للماضي·
ما ينقصنا قد بدأ يتحقق، أن نتهم ونشعر بالظلم والجور ونرد الاتهام ويقتنع بردّنا (بعض) العالم ويقف بعدالة معنا· هذا في بريطانيا··· فماذا عن أوضاعنا وظلمنا لأنفسنا وظلم الآخر لنا داخل العالم العربي؟
كيلروي أراد لنا أن نركع··· نسي هذا المسكين أن رمزنا هو النخلة، والنخلة مهما عجزت لا تركع بل تموت واقفة!