تمت الآن طباعة الصور الأولى التي أرسلها مسبار وكالة (ناسا) الفضائية من على سطح المريخ. وهذه الصور تبدو وكأنها صور تم التقطاها لسطح كوكب ناءٍ، بعيد، يخلو من كافة مظاهر الحياة. فهي تظهر مشهدا خاويا تلوح فيه حفر، وصخور ضخمة، ورمال حمراء. وحتى (وادي الموت)، الذي يعتبر أكثر البقاع عزلة، ووحشة، وخواء، في الصحراء الأميركية يحتوي على الأقل على نباتات صبار غريبة الشكل، وعلى عقارب قاتلة، وعلى ما يعرف بـ(الواحة الغريبة).المريخ ليس به شيء من ذلك. ليست المشكلة فقط أن الكوكب لا توجد فيه حياة، بل إن المشكلة أنه لا يوجد به هواء، ولا ماء، ولا حتى دفء، ودرجة الحرارة على سطح الكوكب لا تزيد على درجة صفر فهرنهايت إلا فيما ندر، ويمكن أن تهبط إلى عدة مئات من الدرجات دون ذلك.
إن المريخ وكما صرح أحد نجوم (البوب) ذات مرة، ليس بالمكان الذي يود المرء أن يربي ابنه فيه. وهو أيضا ليس المكان الذي يرغب المرء في زيارته، كما يعلم علماء ناسا ذلك تمام العلم.
وحتى لو تركنا البرودة القارصة ، وعدم وجود هواء ، أو ماء، فإننا سنجد أن الكوكب يصدر نوعا من الإشعاع القاتل. لكي نفهم معنى ذلك يجب أن نعرف أن الشخص العادي يمتص 350 مليريم (وحدة قياس الإشعاعات) من الإشعاع سنويا، في حين أن رجل الفضاء الذي يقوم برحلة إلى المريخ يمكن أن يمتص 130 ألف مليريم من الإشعاع الشديد الخطورة، الذي يمكن أن يدمر كل خلية موجودة في جسمه. طالما أن الأمر كذلك.. فلماذا يطلع علينا أحد علماء ناسا ليقول لنا :(إن استكشاف الفضاء ليس مثل ما شاهدتموه في فيلم (رحلة إلى النجوم ).. يجب أن تفهموا ذلك). حسنا، نحن لا نفهم ذلك.. ولا نفهم السبب في تلك التلميحات التي نقرؤها ونسمعها أحيانا عن أن إرسال رحلات بشرية إلى المريخ هي مسألة وقت ليس إلا، وأن هناك معاني فلسفية عميقة ،تكمن وراء الاستمرار في إرسال رحلات لاستكشاف الفضاء، من الكوكب الوحيد الذي يبدو أن الحياة ممكنة فيه وهو الأرض. الحقيقة هي أنني لا أفهم ذلك، ولا أفهم كيف يظهر واحد من أبطال فيلم (رحلة إلى النجوم) ليقول لنا، وقد بلغ الحماس منه كل مبلغ: (يجب أن يكون لدينا جدول زمني لإرسال بشر إلى القمر... إن المريخ يجب أن يكون جزءا من خططنا للسفر).ما يقوله هذا الممثل ينم عن سذاجة لا حد لها، ولكنني يجب أن أضيف إلى ذلك أن ما قاله - للإنصاف - لا يختلف في جوهره عما قاله الرئيس (بوش) نفسه في هذا الشأن. فبعد وقوع كارثة المكوك (كولومبيا) رأينا الرئيس بوش يظهر على شاشة التلفاز ليدلي بتصريح بليغ يقول لنا فيه: (إن ما يدفع الإنسان للارتحال إلى تلك البقاع المظلمة التي تقع فيما وراء عالمنا، هو إلهام الاكتشاف، والشوق إلى المعرفة والفهم... إن رحلاتنا إلى الفضاء الخارجي ستستمر على رغم هذه الكارثة التي تعرضت لها أمتنا)·
وما يقوله بوش يستدعي السؤال: ولكن ما هو السبب الذي يجعلنا نستمر في هذه الرحلات؟ أو لماذا يجب أن يشكل البشر جزءا من تلك الرحلات؟ إن طوفان الأنباء الذي أذيع هذا الأسبوع، لم يجعلنا نتنبه إلى حقيقة بسيطة وهي أن ما يعرف بـ(المحطة الفضائية الدولية) التي تعاني من المتاعب، والتي يمكن الوصول إليها بواسطة مكوكات الفضاء التي تعاني من المتاعب هي الأخرى قد تعرضت لحدوث تسرب. ومن ضمن الحقائق التي جرى التقليل من شأنها كذلك، تلك الحقيقة التي تقول إن غرض العلماء من البحث عن الحياة على سطح المريخ ، ليس محاولة التوصل إلى إثبات أننا لا نعيش وحدنا في هذا الكون اللانهائي، ولكنه على العكس من ذلك، محاولة للبحث على أدلة أو قرائن، يمكن من خلالها إثبات أنه كانت هناك ميكروبات قليلة على سطح ذلك الكوكب منذ عدة ملايين من السنين. من الصعب علينا أن نفهم كيف ستؤدي مثل هذه المعلومات فيما إذا ما تم التأكد منها ،إلى إنقاذنا من عزلتنا الكونية، ناهيك عن أن تقودنا إلى بناء وحدات ثنائية مشتركة على ظهر الكوكب.
إن أيا من ذلك كله لا يقنعنا بأنه من المهم بالنسبة لوكالة ناسا للفضاء أن تقوم بإرسال مسابير روبوتيه إلى الكواكب الأخرى. إن ذلك مثير بقدر ما كان الكشف عن أعماق المحيط الهادي مثيرا.. إنه مهم بقدر ما أن دراسة اللغات الميتة والغامضة مهمة كذلك. فمثلها في ذلك مثل استكشاف الفضاء، فإن كل تلك الجهود تعتبر انعكاسا للجهود الإنسانية الملهمة. ومثل رحلات استكشاف الفضاء فإن كل تلك الأشياء -على رغم إثارتها- ليست لها سوى تطبيقات محدودة في الواقع العملي.
بيد أن استكشاف الفضاء لا يتم التعامل معه بالطريقة نفسها التي يتم بها التعامل مع الجهود العلمية البحتة. فمن ناحية، نجد أن لدى العلماء الذين يسعون إلى تحقيقها حوافز معاكسة تماما لتلك الموجودة لدى العلماء الآخرين. فمهامهم الأكثر خطرا -تلك التي تتضمن إرسال بشر إلى الفضاء- هي التي تحقق أقل النتائج، ولكنها تستأثر بمعظم الاهتمام، كما تستأثر بالتصفيق والتمويل. أما مهامهم الأكثر إنتاجية -تلك التي تتضمن إرسال روبوتات- فهي تستثير الاهتمام لسبب أساسي، وهو أن الجمهور يع