بن فليس: تاريخ سياسي يحسمه قضاء مسيس


 بدأت حملة الانتخابات الرئاسية في الجزائر مبكرا قبل أوانها بعدة أشهر، ودارت المنافسة الأساسية في الحملة حتى الآن بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ورئيس حكومته السابق علي بن فليس أمين عام حزب (جبهة التحرير الوطني). لكن المنافسة السياسية بين الرجلين دخلت منعطفا حادا مع القرار الذي أصدرته، يوم 30 سبتمبر المنصرم، الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر العاصمة، وجمدت بموجبه أنشطة حزب جبهة التحرير وجميع هياكله، واعتبرت أن القرارات الصادرة عن المؤتمر الثامن للحزب، (لاغية وباطلة)، بما في ذلك انتخاب بن فليس أمينا عاما للحزب، وترشيحه لانتخابات الرئاسة التي ستجرى في مارس 2004، وذلك بناء على شكوى رفعها جناح من الحزب بزعامة وزير الخارجية عبد العزيز بلخادم المؤيد للرئيس بوتفليقة.


 وفور صدور القرار القضائي، عقد بن فليس اجتماعا مصغرا للمجلس السياسي للحزب، ووصف القرار بأنه (سابقة قضائية مفضوحة) و(انقلاب أبيض)، واتهم الرئيس بوتفليقة بالتدخل في سير القضاء، وتوعده بمصير شيفارنادزه، وقال إن الهدف هو (ثنيي عن الترشح لانتخابات الرئاسة ... لكنني مصمم على الذهاب إلى الاستحقاق المقبل). وإثر هذه التطورات العاصفة و(العنيفة)، حظي بن فليس بتعاطف واسع داخل أوساط النخبة السياسية الجزائرية التي رأت في القرار القضائي إخلالا جوهريا بالنظام الديمقراطي· وخرج الرئيس السابق اليامين زروال عن صمته ليندد بالقرار، بينما تتواصل احتجاجات بدأها نواب حزب جبهة التحرير بمظاهرة ووجهت بقوة على أيدي قوات الأمن في محيط البرلمان. فهل يقطع القرار القضائي على بن فليس طريقه إلى منافسة بوتفليقة والفوز برئاسة الجزائر؟ يعد علي بن فليس أقوى مرشح محتمل لمنافسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهو يقود حزب جبهة التحرير الذي يتمتع بأغلبية في البرلمان وفي المجالس المحلية المنتخبة. وقد سبق لبن فليس أن كسب معركة أساسية في صراعه مع الرئيس بوتفليقة، وذلك بعقد المؤتمر الاستثنائي للحزب في أكتوبر الماضي، رغما عن قرار المحكمة بمنع انعقاده، فتخطى العقبة ببراعة عندما تمكن من عقد المؤتمر في سياق اجتماع اللجنة المركزية للحزب. فبن فليس أمضى معظم سني حياته العملية بين المحاماة والقضاء والعمل السياسي، وما أن تخرج من كلية الحقوق في عام 1968 حتى أصبح قاضيا بمحكمة البليدة، وأبرز كفاءة عالية وتدرج سريعا في سلك القضاء ليتقلد وظيفة وكيل جمهورية لدى محكمة باتنة في عام 1971· ثم أصبح نائبا عاما لدى مجلس قضاء قسنطينة في عام 1972، قبل أن يعود إلى مسقط رأسه في منطقة باتنة حيث انتخب نقيبا لمحاميها مرتين في الفترة بين 1980 و1988·


 وبفضل سجله في مجال القضاء والمحاماة، عينه رئيس الحكومة قاصدي مرباح وزيرا للعدل في سنة 1988، واحتفظ بالمنصب نفسه في حكومة مولود حمروش، لكنه استقال من حكومة أحمد غزالي التي تشكلت في يونيو 1991، وذلك لأنه رفض المصادقة على قانون طوارئ يجيز الاعتقالات وإقامة مراكز اعتقال في الصحراء. وقد شارك بن فليس، المحامي ورجل حقوق الإنسان، في (بناء دولة القانون في الجزائر)، وبرز كرجل إصلاحي خلال تقلده حقيبة العدل طوال ثلاث سنوات، كما كان أحد مؤسسي الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان (أول رابطة من نوعها، أجازتها السلطات في عام 1987)· أما التاريخ السياسي لعلي بن فليس، فيرتبط بحزب جبهة التحرير الذي انتسب إليه اثر استقالته من القضاء في عام 1980، ثم انتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب في ديسمبر 1989، وفاز على قوائمه في انتخابات يونيو 1997 في ولاية باتنة، ووصل إلى عضوية المكتب السياسي أثناء مؤتمر الحزب في مارس 1998، ليتم انتخابه أمينا عاما للحزب في سبتمبر 2003، خلفا لبوعلام بن حمودة. وكان قد وقع الاختيار من قبل القادة العسكريين في عام 1999 على بن فليس ليتولى إدارة الحملة الانتخابية لمرشح الرئاسة عبد العزيز بوتفليقة.


وفي ظل التركيبة الجديدة التي أعقبت فوز بوتفليقة بمنصب الرئاسة في أبريل 1999، عين بن فليس أمينا عاما بالإنابة لرئاسة الجمهورية، ثم مديرا لديوان رئيس الجمهورية، قبل أن يختاره الرئيس بوتفليقة وزيرا أول في أغسطس 2000· لكن بن فليس الذي آلت إليه قيادة حزب جبهة التحرير في سبتمبر 2001، ثم حقق حزبه أغلبية في انتخابات عام 2002، سرعان ما اخذ يعبر عن استياء شديد من الرئيس بوتفليقة الذي قال انه يريد الاستحواذ على كل الصلاحيات والسلطات لنفسه فقط. ثم تفاقم الخلاف بين الرجلين على خلفية من ينال تزكية حزب جبهة التحرير لخوض الانتخابات الرئاسية في عام 2004، إلى أن افترقا بإقالة بن فليس من رئاسة الحكومة في مايو 2003، وقد دخلا في تنافس محموم تغذيه الاستعدادات ليوم الاقتراع الرئاسي. فبوتفليقة لا يرى نفسه دخيلا على الحزب الذي واكب نشأته الأولى، وله أتباع في اللجنة المركزية والمجلس السياسي للحزب. بينما يطمح بن فليس إلى أن يصبح ثامن رئي