يثور في نفس المرء شعور بالغثيان والقرف عندما ينظر إلى ثلاثة عقود من التغطية الإخبارية الدولية لإيران التي احتلّت مركز الاهتمام الدولي لأسباب كثيرة منها أهميتها التاريخية والحضارية، وموقعها الجيواستراتيجي وبروزها في منطقة الخليج العربي وكذلك أهمية ودينامية ثورة عام 1979· بل إن العالم الأميركي (غراهام فولر) أطلق في العقد الماضي على أحد كتبه عنوان (إيران مركز الكون)·
وقد شعرت في مناسبات كثيرة جداً بسرور غامر وأنا أرى أن بلدي يحظى باهتمام حماسي في كل العالم، ومنها مثلاً إطاحة الشعب الإيراني بالشاه عام 1979، وانتخابه محمد خاتمي رئيساً في 1997، باعتبار أن خاتمي رمز ومنارة للإصلاح الذي باتت إيران في حاجة ماسّة إليه. ثم أتت مناسبات أخرى أثارت في نفسي نوعاً آخر من المشاعر، ومنها زلزال (بام) والمسألة النووية. على أن المسألة النووية ليست موضوعي المفضّل ولا هي أهمّ اهتمامات عامة الإيرانيين، لكنها حظيت على مدى أشهر بنصيب الأسد من الاهتمام الخارجي بالشأن الإيراني فأدت إلى تحويل الانتباه عن المسائل الساخنة التي يتصارع معها بلدي إيران. لكن على قمة هرم الأهمية تتربع مسألة الانتخابات القادمة للدورة السابعة من البرلمان الإيراني المؤلف من 290 مقعداً. أما الموضوع الأكثر تميزاً في دائرة الرهانات في هذه الانتخابات، المقرر إجراؤها في 20 فبراير المقبل، فهو تقرير مستقبل بنية نظام الحكم في إيران.
وقد هيمن الإصلاحيون المتحالفون مع خاتمي على الدورة السادسة من البرلمان (عام 2000) التي خضعت لتأثير شديد من مجلس الأمناء- أي الهيئة العليا المحافظة المؤلفة من ستة خبراء (مجتهدين) في الشريعة الإسلامية إضافة إلى ستة محامين مدنيين. وقد أدى إخفاق الحركة الإصلاحية منذ عام 1997 في الوفاء بوعودها إلى حالة عامة من اليأس والاستسلام للوضع القائم-ولم يكن الإخفاق كنتيجة فقط لمساعي الائتلاف المناهض للإصلاح بل كنتيجة أيضاً لافتقار التيار الإصلاحي إلى النشاط وإلى تصور واضح للإصلاح.
وقد كان ينبغي أن تكون انتخابات المجالس البلدية التي جرت في فبراير الماضي نداء إلى اليقظة الوطنية- فمن المعلوم أن نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع تراوحت بين 10 إلى 15 في المئة في طهران والمدن الإيرانية الرئيسية الأخرى. وقد انتصرت لائحة المرشحين المحافظين لسبب بسيط هو براعتهم الشديدة في دفع مؤيديهم إلى صناديق الاقتراع. وقد كان في انخفاض نسبة الناخبين إشارة إلى إحساس عميق بالإنهاك السياسي وبالتحرر من أوهام الوضع القائم.
لكن كتلة المحافظين وحاشيتها الفاشستية تشجعت واكتسبت الجرأة بسبب نتائج انتخابات العام الماضي، وهكذا باتوا يوجهون الآن أنظارهم إلى الاستيلاء من جديد على البرلمان في الشهر القادم. وإذا كان مقدراً حدوث ذلك، فإن النتيجة الفورية ستكون تقييد حركة خاتمي طوال ما بقي له من فترة رئاسته التي تنتهي في عام 2005·
وعلى الأمد الطويل، يرى المحافظون في الانتصار البرلماني خطوة نحو تعزيز تام لبنية نظام الحكم ودفعاً لأملهم في السيطرة عليه تماماً في الانتخابات الرئاسية في عام 2005· وقد يتحقق لهم ذلك على رغم أن سيطرة المحافظين التامة على البرلمان الإيراني ستؤدي حتماً إلى توسيع الهوة بين الأغلبية الساحقة من السكان وأولئك الذين يمسكون بزمام السلطة. ويضاف فوق ذلك أن من شأن ازدراء المحافظين السّمج والوقح لحقوق الإنسان والمظاهر الجمهورية لنظام الحكم أن يؤدي حتماً إلى دعوة الرقابة الخارجية وإلى مزيد من التعقيد في العلاقة المتوترة سلفاً.
على أن الفرصة الوحيدة أمام المحافظين في الشهر القادم إنما تتمثل فقط في انخفاض نسبة إقبال الناخبين. ولذلك شهدنا نطاقاً واسعاً من الحملات السياسية والدعائية التي رافقتها إجراءات إدارية قانونية وشبه قانونية، بما فيها الإجراءات الصارمة الجديدة التي يقصدون منها حرمان المرشحين الإصلاحيين في طهران وغيرها من الاشتراك في الانتخابات المقبلة.
أما أكبر آمال الإصلاحيين فيتجسد في ارتفاع نسبة إقبال الناخبين، وهو ما من الممكن أن يكتسب زخماً من جرّاء إطلاق حملة ناشطة مشتركة، والأهم من ذلك أن يكتسب زخماً من جدل وطني ساخن يدور فقط حول أهمية هذه الانتخابات وما من الممكن أن تعنيه في ما يتعلق بمستقبل البلاد. لكن من الصعب جداً التنبؤ بحجم إقبال الناخبين أو حتى تحليله في المرحلة الراهنة.
وبالنظر إلى تحقق التحرر من الأوهام المحيطة بالسياسات الرسمية وإلى التململ بين الشباب الإيراني، فإن من السهل أن يكون هناك خوف من الاتجاه الذي ستتخذه الأحداث في المستقبل إذا تحقق للمحافظين النصر. ذلك أن ائتلاف المحافظين يندفع بكل تصميم نحو السلطة المطلقة، وهو دافع يحمل إمكانية إشعال فتيل انفجار الأوضاع التي تتأصل فيها مقومات الانفجار.
وإذا كان لدينا في طيات التاريخ مؤشر، فإن الحملات التي تنطوي على المفارقات التاريخية- ناهيك عن الحماقات في الخانة ذاتها- سوف تؤدي على الأرجح إلى توليد نتائج معاكسة ومؤلمة.