في كل يوم تحمل ناقلات النفط العملاقة ملايين الأطنان من النفط الخليجي إلى شتى أرجاء العالم، ولكن على ضوء الأعمال الإرهابية التي وقعت في مجمع سكني تأهله عوائل مسلمة في المملكة العربية السعودية وذهب ضحية لها العديد من الأبرياء من النساء والأطفال والمدنيين يقفز إلى الأذهان تساؤل مهم حول تأثير ذلك على إنتاج النفط في كافة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وكم هي مستقرة ستبقى الامدادات الذاهبة من حقول هذه الدول إلى شتى بقاع العالم؟ ونظراً إلى كون الأسعار الحالية غير مستقرة في الوقت الراهن، وتعتبرها العديد من الجهات الغربية مرتفعة نسبياً وقد دخلنا فصل الشتاء فإنه توجد مخاوف بأن يشهد سوق استهلاك الوقود ارتفاعاً متزايداً مع مطلع العام الجديد· ويعزز من هذه المخاوف أن سوق النفط في الولايات المتحدة بالتحديد يشهد ارتفاعاً في الأسعار·
تقول المصادر الغربية إن الشيء الوحيد الذي يجعل الأسعار ترتفع إلى ما فوق الخمسة وعشرين دولارا للبرميل هو الخوف من النشاطات الإرهابية· وإذا لم تقع هجمات إرهابية في المستقبل فإن سعر البرميل الواحد عندما يتجاوز الخمسة وعشرين دولارا يصبح مرتفعاً وفقاً لمعايير المستهلكين· وبالنسبة للولايات المتحدة فإن عدم التيقن السائد هذا حول أسعار النفط يأتي في وقت يتأهب فيه الكونجرس الأميركي للتصويت على قانون للطاقة تمت الموافقة عليه من قبل معظم الجمهوريين في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر 2003·
وتأتي المخاوف الغربية الخاصة بإمكانية تعرض امدادات الخليج لانقطاع مفاجئ من كون المسافة التي يقطعها النفط من مكامنه في دول الخليج إلى أن يصل إلى المستهلك طويلة جداً، ويمكن أن تتعرض أثناءها الامدادات لهجمات مباغتة من قبل جهات إرهابية· وبالنسبة للنفط السعودي بالتحديد، والذي تعتمد عليه الولايات المتحدة بشكل كبير أكثر من اعتمادها على النفط المستخرج من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى فإن خطوط الأنابيب التي تنقله طويلة جداً بين الآبار وموانئ التصدير، لذلك فإن إمكانية تعرض تلك الأنابيب لمخاطر الإرهاب عالية لأن الأنابيب تمر عبر صحراء قاحلة ممتدة لآلاف الأميال وتصعب حراستها المستمرة بشكل قوي ودائم·
والأمر الحسن هو أن المنشآت النفطية في أي من دول الخليج لم تتعرض لأي نوع من الهجمات التخريبية، ولكن ذلك يدفعنا إلى القول إن على الجهات المسؤولة في دول الخليج أن تأخذ الأمور بكل جدية وأن تتحسب لوقوع هذا النوع من الهجمات في أية لحظة· لأن الإرهاب يركز بشكل أكبر على التأثير السياسي للهجمات التي يقوم بها مقارنة بالتأثير الاقتصادي· فما يهمه هو إحراج الحكومات في مواجهة شعوبها والعالم ولا تهمه الجوانب السلبية الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المواطن العادي عندما يتعرض اقتصاد بلاده للتدمير·
إن دول الخليج مطالبة بأن تعالج موضوعات حماية تدفق النفط إلى العالم بكل جدية وروية وحكمة،لأن تعرض المنشآت النفطية للمخاطر يضر بها كدول وباقتصادها وبمواطنيها كبشر تعتمد حياتهم ورفاهيتهم إلى حد كبير على الريع الذي تتقاضاه بلدانهم من بيع النفط، ولأن عجلة الاقتصاد العالمي تعتمد بشكل شبه كامل على ما يصل إليها من النفط المستورد من البلدان المنتجة· والنقطة الأخيرة تجعل من الواضح أن للبلدان المستهلكة مصالح في سلاسة تدفق النفط إليها، وتلك المصالح لابد وأن يتعاون الجميع على تحقيقها وحمايتها·
ويبدو أن عدم التيقن والقلاقل التي تمر بها المنطقة تشكل سبباً آخر لبقاء أسعار النفط مرتفعة· فعلى سبيل المثال ليس من الواضح بعد متى سيبدأ النفط العراقي في العودة الطبيعية إلى السوق العالمي، وكم هي الكمية التي سيمكن للعراق ضخها في السوق؟ فلو هدأت الأمور في العراق فإن ما سيدخل الأسواق من نفطه سيغرق السوق في البداية وسيؤثر على الأسعار سلباً· والواقع هو أن القلق الشديد والمخاوف الغربية التي تبديها الجهات الرسمية ومراكز البحث والتقصي سواء كانت العلمية أم غيرها تبدو لحكومات الدول المنتجة للنفط، وخاصة في الخليج، غير مبررة ولا علاقة لإنتاج النفط وتسويقه بما تقوم به الجهات الإرهابية من أعمال· فدول مجلس التعاون المنتجة للنفط كافة تبدو واثقة من نفسها تماماً على أنها قادرة على حماية منشآتها النفطية في الداخل من الأعمال الإرهابية، وتصر على أنها ستضرب بيد من حديد جميع محاولات التخريب التي تتجرأ أية جهة على القيام بها للنيل من استقرارها وسيادتها ومقدراتها السياسية والاقتصادية وعلى رأسها النفط· وهذا يقودنا إلى القول إن دول مجلس التعاون ستتمكن من حماية مصالحها من الإرهاب بكافة أشكاله مهما حاولت الفئات المخربة زعزعة الاستقرار الداخلي فيها·