تخطت المفاوضات السودانية الثنائية التي تجرى في كينيا لإنهاء الحرب الأهلية والانتقال إلى مرحلة جديدة للحكم، إحدى العقبات المهمة باتفاق الطرفين، حول أسس تقسيم عائدات الثروة بين جنوب السودان وشماله، وعلى رأس تلك الثروات وأهمها البترول الذي ثبت حتى الآن أن ما اكتشف واستخرج بنجاح منه متوفر في جنوب السودان أكثر من شماله·
وقد قضى الاتفاق المشار إليه بقسمة عائدات بترول الجنوب مناصفة بين حكومة ذلك الإقليم بعد قيامها والحكومة المركزية في الخرطوم· ثم إن هذا الاتفاق يشير ضمناً إلى أن ذات المنهج سيتبع مع أقاليم السودان الأخرى أي التي في شماله في الحالات المشابهة ولهذا فإن اتفاقية تقاسم الثروات هذه أو أسلوب توزيعها سيكون له أثره في مستقبل الوضع الاقتصادي لا سيما بالنسبة للمناطق الطرفية التي تسمى (هامشية) مثل دارفور في الغرب أو مناطق البجة في الشرق أو غيرها· وليس خافياً على أحد أن هذا البعد للاتفاق سيكون رصيداً معنوياً لقيادة (الحركة الشعبية لتحرير السودان) التي يتزعمها العقيد جون قرنق وسط وبين أهل تلك الأقاليم السودانية التي كانت تعاني من التهميش أو عدم الالتفات والعناية لا سيما في مجال التنمية الاقتصادية والبشرية·
لقد اقتضى الوصول إلى اتفاق اقتسام الثروة مفاوضات مركزة ومتواصلة استمرت لأكثر من أسبوعين تحت قيادة النائب الأول لرئيس الجمهورية السيد علي عثمان محمد طه وزعيم (الحركة الشعبية) الدكتور جون قرنق، وبذلك تكون النقاط الباقية إلى اتفاق نهائي هي:
(1) اقتسام السلطة وهو يشمل نصيب كل من الطرفين في المناصب الدستورية العليا مثل رئاسة الجمهورية وما إليها كالوزارات والإدارات الكبرى وغيرها من مناصب السلطة المركزية·
(2) الوضع في المناطق الثلاث المختلف حولها خلال المرحلة الانتقالية وهي منطقة جبال النوبة ومنطقة جنوب النيل الأزرق ومنطقة مدينة أبياي الحدودية بين إقليم جنوبي وآخر شمالي·
(3) نظام الحكم في العاصمة القومية المشتركة بين الشمال والجنوب (الخرطوم) وهل يبقى خاضعاً لأحكام الشريعة الإسلامية كما هو الحال الآن، وهو ما تتمسك به الحكومة، أم تخضع العاصمة لتشريعات خاصة تجعلها عاصمة مشتركة لمسلمين ولغير مسلمين، أي الجنوبيين، وهو ما تطالب به >الحركة الشعبية( ويلقى قدراً كبيراً من تأييد الوسطاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية·
إن هذه القضايا الباقية للوصول إلى الاتفاق النهائي ليست أقل تعقيداً من سابقاتها وآخرها قضية المشاركة في الثروة ذلك لأن وجهتي نظر الطرفين متباينتان ومختلفتان تماماً وبصورة خاصة حول البند المرقم (2) أعلاه والمتعلق بالمناطق الثلاث لأن اثنتين منها (جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق) ظلتا تعدان تاريخياً وجغرافياً كجزء من السودان الشمالي ولهما ثقلهما مساحة وسكاناً· وعلى رغم كل ذلك فإن المرجح أن الاتفاق سيتم وفي وقت قريب·
لقد كان اتفاق مشاكوس بين الطرفين في 20/7/2002 هو الخطوة الأولى ثم كان الاتفاق الذي أنجزت بموجبه الإجراءات الأمنية وأهمها حجم وتوزيع القوات المسلحة للطرفين وها قد أمكن تخطي عقبة اقتسام الثروات ويعني هذا في مجمله انجازاً كبيراً يبشر بأن ما ظل معلقاً سيمكن الوصول حوله إلى ما يحسم هذه المرحلة الرئيسية من النزاع السوداني·