استقبلنا مع مشارف العام الجديد عدداً من الرسائل السياسية الإسرائيلية صدرت عن كبار المسؤولين موجهة إلى دول المجموعة العربية وإلى أطراف عربية محددة.
دعونا نبدأ بالرسالة الجامعة الموجهة إلى العرب وهي رسالة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي أصدرها الجنرال موشيه يعلون رئيس الأركان الإسرائيلي مع الساعات الأخيرة من العام المنصرم· ذلك أن الجنرال أدلى بحديث إلى صحيفة (يديعوت أحرونوت) يقدم فيه رؤية المؤسسة العسكرية لحصاد أحداث عام 2003 ولآفاق العام الجديد.
في تقييمه لوضع العالم العربي من الناحية الاستراتيجية أطلق الجنرال رؤيته على النحو التالي: لم يعد هناك عالم عربي· ولم نعد في إسرائيل نتكلم عن عالم عربي· وفي تقديرنا لم يعد يوجد شيء اسمه تحالف عربي· هناك لاعبون لكل منهم مصلحته الخاصة· وأصبح جميع هؤلاء يعرفون أن عالمنا اليوم قد أصبح أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة وأصبحوا بالتالي يدركون أن أي طرف يريد أن يعتبر جزءاً من القرية العالمية الكبيرة فإن عليه أن يكون مرتبطاً بالولايات المتحدة وليس بأي حلف آخر·
ترى لو أخضعنا هذا التقييم الإسرائيلي لمجهر البحث فكيف نقيس مدى صحته أو خطئه؟ في حالة القياس علينا أن نقسم هذا التقييم إلى قسمين· الأول يتعلق برؤية الجنرال للعالم وهي رؤية تؤكد التطورات الجارية عام 2003 أنها صحيحة· ويكفي أن نرجع بالذاكرة إلى الأسابيع السابقة على غزو العراق وأن نستعيد مشاهد جلسات مجلس الأمن المفتوحة ونلاحظ أداء وزراء خارجية روسيا وألمانيا وفرنسا المعارض لشن الحرب· ذلك الأداء الذي تميز بقدرة خطابية مرموقة وباستخدام للحجج والمجادلات القانونية والسياسية المحكمة ثم نستعيد مشاهد المظاهرات الدولية في عواصم أوروبا والمتوافقة مع مواقف تلك الدول الأوروبية في رفض الحرب·
إن مقارنة، وسنجد في هذا القسم من رسالة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية صواباً تؤكده الوقائع.
أما القسم الثاني الذي ينفي فيه الجنرال يعلون وجود عالم عربي وتبعثر العرب إلى لاعبين متفرقين يبحث كل منهم عن مصالحه مع الولايات المتحدة·· فإن أدوات قياسه وتقييمه تقع في مستويين· المستوى الأول هو مستوى الحكومات العربية والجامعة العربية والمستوى الثاني هو مستوى الوجدان الشعبي العربي·
وعلى المستوى الأول فإن مؤسسة النظام العربي الرسمي الموحد الشامل لجميع الحكومات العربية قد تعرضت خلال عام 2003 لمحن شديدة سواء في قضية فلسطين أو في قضية العراق. وفي هذا الصدد فقد أثخن المفكرون والكتاب الجامعة العربية بالانتقادات القاسية. ولا شك أن حال الجامعة لإخفاقاتها الذريعة في تقديم أية مساعدة فعالة لنضال الشعب الفلسطيني على المستوى السياسي ناهيك عن المستوى الفعلي الميداني يقدم للجنرال الإسرائيلي برهاناً على صحة اعتقاده بأنه لا يوجد شيء اسمه عالم عربي·
في المستوى الرسمي نفسه نلاحظ أن بعض المسؤولين العرب قد استقبلوا العام الجديد بشجاعة أدبية جديدة علينا· وقد استمعت إلى نائب رئيس وزراء عربي على شاشة إحدى الفضائيات العربية يقرر أن هناك روحاً للمنافسة بين النظم العربية للتقرب إلى الولايات المتحدة وأن كل دولة عربية تحاول على حدة إقناع الولايات المتحدة أنها أكثر إخلاصاً من غيرها·
معنى هذا أن المسؤولين الرسميين العرب يعرفون بالطبع أكثر مما نعرف نحن الكتاب ويلمسون في الكواليس ما لا نستطيع أن نلمسه من شواهد تؤكد رؤية الجنرال الإسرائيلي.
وإذا صحت رؤية المؤسسة العسكرية الإسرائيلية للحالة العربية المبعثرة على المستوى الرسمي فإن المطلوب عربياً يتركز في عبارة واحدة تقول نحن في حاجة إلى مصارحة تقرب بين المصالح لكل قطر مع الآخرين على الأقل لكي نستطيع التعامل مع القطب الدولي الأوحد ككتلة واحدة ذات مصالح متقاربة· ذلك أنه لا شك في أن التفاهم الجماعي العربي على طرق التعامل مع الولايات المتحدة يمكن أن يحقق لكل قطر ما يتوخاه من مصالح دون تناقض مع شقيقه· وبعبارة أخرى فإن اتفاق المجموعة العربية على سياسة موحدة تجاه الولايات المتحدة سيؤدي إلى مصالح جماعية عربية ويمنع الآثار الجانبية الضارة التي لا تصب سوى في المصلحة الإسرائيلية في نهاية المطاف نتيجة لاستثمار الخلافات والمنافسات العربية العربية·
ولا شك أن كل مواطن عربي قادر على التثبت من المحيط البشري الذي يتحرك في إطاره، سواء كان يحاضر في جامعة أو يعمل في صحيفة أو في مدرسة أو في غير ذلك·· من أن الوجدان الشعبي العربي ما زال مترابطاً وما زال يتشارك في الهموم نفسها ويتقاسم التطلعات نفسها ويوجه الانتقادات نفسها إلى المستوى العربي الرسمي لإخفاقاته الداخلية والخارجية·
وإذا كنا لا نملك وسائل إحصائية دقيقة لقياس اتجاهات الجماهير العربية تجاه فكرة التاريخ العربي الواحد أو المصير العربي المشترك أو الآمال الواحدة فإنه يمكننا من خلال متابعة البرامج الحوارية العديدة على شاشات الفضائيات وعلى موجات محطات الإذاعة أن نكتشف توجهاً عاماً لدى الجماهير الواسعة يفيد أنها ما ز