لو كان المسبار (سبيريت) الذي أرسلته وكالة ناسا للفضاء إلى المريخ قادرا على التعبير عن نفسه عندما هبط في النهاية على سطح الكوكب الأحمر، ناشرا ألواحه الشمسية، لكان من الممكن جدا أن يردد صدى صوت من الماضي يقول (قفزة عملاقة لناسا)·
فالمهمة الحالية، وربما أكثر من أي مهمة أخرى في التاريخ الحديث، تتعلق ببساطة بقدرة الوكالة الفضائية على القيام بالأشياء على النحو الصحيح. لا يستطيع أحد أن ينكر أهمية العلم في ذلك خصوصا وأنه وحده هو القادر على توفير الأدلة على أن الماء الذي يعتبر دليلا على وجود الحياة قد وجد على ظهر الكوكب، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى رسم قائمة أولويات الوكالة لعدة سنوات قادمة. ولكن يمكننا القول مع ذلك إنه على ضوء كارثة المكوك (كولومبيا) التي حدثت العام الماضي، والمهمتين الفاشلتين اللتين أرسلتا إلى المريخ عام 1999، فإن نجاح المسبار (سبيريت) يمثل لحظة طال انتظارها من قبل الوكالة التي تعرضت إلى انتقادات شديدة خصوصا عقب كارثة (كولومبيا). إن هذا النجاح يشير إلى أن (ناسا) عندما تعود إلى نظام معايير الفحص والتدقيق والاعتبارات الصارمة التي ميزت عملها خلال حقبة الستينيات من القرن الماضي، فإنها تستطيع تحقيق إنجازات علمية هائلة. في الحقيقة أن كوكب المريخ لا يتساهل مع الأخطاء، وهو ما دفع (ناسا) هذه المرة إلى العمل بمثابرة وانتظام ودقة وعناية، وساعدها على ذلك أن احتمالات النجاح كانت عالية· ويقول (جيمس أوبرج) العضو السابق في جهاز مراقبة المهمات الفضائية في الوكالة، والذي يعمل الآن معلقا في مجال الفضاء (إن ما حدث يعتبر قوة دافعة مهمة لناسا، ولا شك أن من يقوم بعمله على الوجه الصحيح ينال المكافأة على ذلك ، وقد نالت ناسا مكافأتها).
وبالنسبة للمهمة الحالية يأمل علماء (ناسا) أن تكون المكافأة هي الحصول على معلومات تؤكد أن كوكب المريخ كان يوما ما كوكبا دافئا ورطبا. والمسبار (سبيريت) هو واحد من خمسة مسابير مماثلة، يتم التخطيط لإرسالها إلى الكوكب خلال الأعوام القليلة المقبلة، ومنها واحد سيتم إرساله بتاريخ الرابع والعشرين من شهر يناير الحالي ، وبذلك سوف يكون المريخ هو أكثر الكواكب التي تمت دراستها منذ أن هبط رواد سفينة الفضاء (أبولو) على ظهر القمر. ويمكن أن يقال إن المسبار (سبيريت) هو جيولوجي تلك المجموعة من المركبات الفضائية التي تم إرسالها إلى الفضاء الخارجي.
والمسبار الذي يبدو في شكل صينية طعام مزودة بعجلات، ولا يزيد حجمها عن حجم عربة من تلك العربات المستخدمة في ملاعب الجولف، سوف يتدحرج عبر غبار ما يعرف بـ(حفرة جوسيف) بسرعة 300 قدم في اليوم الواحد، ما سحا التربة والصخور الواقعة في طريقه لمدة ثلاثة شهور كاملة، أو إلى المرحلة التي تصبح عندها ألواحه الشمسية مغطاة بالغبار بدرجة لا تسمح لها بالاستمرار في العمل. ومما يذكر في هذا السياق أن المسبار لم يبدأ في جمع العينات إلا بعد ثمانية أيام من وصوله·
ومن خلال النظر إلى عدة صور من تلك التي قام المسبار بإرسالها يوم الأحد الماضي، فإن ( حفرة جوسيف) تبدو مكانا أقل بهجة بكثير من البقعة التي هبطت فيها المركبة الفضائية (باث فايندر) عام 1997· فتلك الصور تظهر مشهدا كئيبا، توجد على ظهره عدة صخور نادرة سيتم تسميتها (يوجي) و(بارناكل بل).. ولكن ذلك المنظر الكئيب لن يسبب أي ضيق للعلماء.
ولقد اختار العلماء تلك الحفرة الكبيرة ، التي هي عبارة عن طبقة جيولوجية من التراب تفوق في المساحة ولاية (كونيكتيكت)، لأن الصور التي التقطت لسطحها أظهرت وجود علامات يشتبه بأنها تدل على وجود مياه على سطح الكوكب، وهذه العلامات تشبه العلامات التي تتركها ظاهرة التآكل على الصخور. ومهمة المسبار (سبيريت) إذن هي تحليل العينات، وفحص ما إذا كانت تلك العينات تحمل أية آثار تدل على وجود المياه الذي تعتبر عنصرا ضروريا لوجود أي شكل من أشكال الحياة.
ويقول الدكتور (أوبرج): (بالمقارنة بالرحلة الحالية للمسبار (سبيريت)، كانت رحلة المركبة ( باث فايندر) أقرب ما تكون إلى الاستعراض... فالمهمة الحالية هي أول مهمة موجهة بشكل كامل نحو استكشاف الظروف أو العناصر التي تجعل الحياة على ظهر الكوكب ممكنة)·
والرحلة الأخيرة تأتي في أعقاب عقد كامل من المهام الفاشلة - الأميركية والدولية- للوصول إلى الكوكب. فمنذ أسبوعين فقط، فقدت وكالة الفضاء الأوروبية على ما يبدو المسبار ( بيجل-2)، على رغم أن العلماء لا يزالون حتى الآن يحاولون إجراء محاولات للاتصال معه. ويذكر في هذا السياق أن ما يزيد على نصف عدد المسابير التي تم إرسالها إلى كوكب المريخ والتي بلغ عددها 39 مسبارا قد تحطمت، أو انفجرت، أو ضلت طريقها إلى الكوكب.. الأمر الذي جعل بعض العلماء يطلقون على الكوكب اسما رمزيا هو (كوكب الموت). وفي الواقع أن الولايات المتحدة الأميركية قد حققت نجاحا نسبيا فيما يتعلق بالمهام المرسلة إلى كوكب المريخ. ولكن فقد مركبتين فضائيتين في عام 1999 أصبح يرمز مع ذلك إلى المرض الجديد