لعل القرار الذي أصدره القضاء الجزائري مؤخرا، والقاضي بحظر أنشطة حزب (جبهة التحرير الجزائري) وتجميد أرصدته، هو بداية لمرحلة جديدة، ربما تجد اكتمال ملامحها مع انتخابات الرئاسة المنتظرة أواسط العام الحالي. فهل يمكن للسيناريو الجورجي الذي أطاح الرئيس شيفرنادزه من سدة الحكم، أن يتكرر في الحالة الجزائرية الراهنة؟
لعل مشهد المظاهرة التي نظمها برلمانيو حزب (جبهة التحرير)، يوم الرابع من الشهر الجاري، من داخل مبنى البرلمان الجزائري، وحملوا فيها بشدة على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وطالبوا برحيله عاجلا من الحكم، تذكرنا بذلك الغضب البرلماني الذي كان بداية لمظاهرات هزت العاصمة الجورجية تبليسي، قبل أن تجبر شيفرنادزه على التنحي من رئاسة البلاد. فالعنف الذي لقيه أعضاء الأغلبية البرلمانية لحزب جبهة التحرير، على أيدي قوات مكافحة الشغب في الشوارع القريبة من البرلمان، هيج غضبا واسعا في الجزائر، وأثار ردود فعل حانقة، حاولت على إثرها قوى الأمن منع المظاهرات العديدة من الدخول إلى وسط العاصمة، كي لا تتكرر مشاهد تبليسي قريبا من قصر المرادية. وتذكرنا الأخبار الواردة من الجزائر حول تشديد المراقبة الأمنية على تحركات برلمانيي الجبهة ووزرائها السابقين، بهواجس طالما روعت الرئيس الجورجي السابق من أي نشاط معارض في أيامه الأخيرة.
وربما الأهم من ذلك أن برلمانيي الجبهة الغاضبين اليوم ضد بوتفليقة، هم من كان بالأمس قوة إسناده الرئيسية، تماما كما كان البرلمان الجورجي بالنسبة لشيفرنادزه. وكما كان ميخائيل ساكاشفيلي مقربا من شيفرنادزه ووزيرا في حكومته، كان بن فليس كذلك حليفا لبوتفليقه ورئيسا لحكومته.
لكن وجه الشبه الأهم بين ما يحدث في الجزائر وما حدث في جورجيا، هو موقف الحياد الذي اختارته المؤسسة العسكرية. وكما كان ذلك الموقف أهم شرط لإنجاح التحرك الشعبي في جورجيا، يبدو أيضا أن الجيش الجزائري، بعدما تورط لأعوام عدة في مستنقع السياسة، قرر الآن أن يقف على طرف الحياد، في معركة كسر العظم الحالية بين بوتفليقه وحلفائه السابقين. لذلك فان القرار القضائي بحل حزب (جبهة التحرير الجزائري)، هو حدث جلل له ما بعده في قابل الأيام من عمر الجزائر المعاصرة.
عمر لحبيب - فرنسا