ربما يقوم الدين بالتبشير بالسلام والتسامح، ولكن يصعب علينا أن نتخيل أن هناك شيئاً قد ارتبط بالعنف والشر في العالم قدر ما ارتبط الدين - وإن كان ذلك يرجع لسوء فهم وممارسة البشر للدين في المقام الأول. والآن، ونحن موشكون على دخول عام جديد في حملتنا، فإنني أرى أن الوقت قد حان كي نستجمع قوانا ونتهيأ لجولة جديدة من الحرب الدينية في الخارج، ومن النفاق في الداخل. وأميركا اليوم منقسمة على نفسها بسبب صدع ديني أساسه عدم الثقة، يقوم بالفصل بين الجمهوريين من المترددين على الكنائس، وبين الديمقراطيين العلمانيين نسبيا. وهناك يقظة دينية جديدة تكتسح البلاد حيث يدلي معظم الأميركيين بآراء لمؤسسات استطلاع الرأي يقولون فيها إنهم يؤمنون بالصلاة وبالمعجزات.. بينما يقول 28 في المئة فقط ممن يتم استطلاع آرائهم إنهم يؤمنون بالتطور الطبيعي. وهذه أنباء طيبة للجمهوريين الذين يرأسهم بوش، والمنسجمين مع القيم الدينية في المناطق التي تمثل القلب الأميركي. ولكنها تمثل في الوقت نفسه أنباء سيئة لديمقراطيي (هوارد دين) الذين لا يعرفون ( يوحنا) من (أيوب)·
لذلك يمكننا أن نتوقع أن يقوم الجمهوريون بشن حرب دينية، يرددون فيها اسم الرب مرارا وتكرارا· ويمكننا أن نتوقع أن يستجيب الديمقراطيون لذلك، بالنفاق، وتصنع الإيمان الديني العميق. ويمكن لهذه الحرب أن تنتهي بلعبة شد حبل، يتنازع فيها الطرفان على (عيسى). وعندما ننتقل إلى موضوع العطلات، فإننا سنجد أن بطاقة عيد الميلاد الخاصة بنائب الرئيس (ديك تشيني) ترمز إلى كل ما يزعجني بشأن الطريقة التي يتعامل بها الديمقراطيون مع موضوع الإيمان حيث لا يتخذون الدين -كما يفترض- باعتباره منبعا للقيم الروحية الدافعة للتقدم، ولكن كأداة يستخدمونها وفق هواهم. بطاقة السيد (تشيني) تلك مكتوب عليها بحروف كبيرة عبارة مقتبسة من (بنيامين فرانكلين) تقول: (طالما أن العصفور لا يستطيع أن يحط على الأرض إلا بأذنه، فإن معنى ذلك أن الإمبراطوريات يمكن أن تصعد بدون عونه).
من الصعب أن نرى أي شيء في تلك العبارة سوى أنها تمثل نوعاً من الافتخار من جانب تشيني بأن أميركا قد أصبحت هي القوة العظمى في العالم ،لأن الرب يقف إلى جانبها . وهذه العبارة تستدعي السؤال التالي: هل يريد السيد تشيني أن يقول من خلالها إنه في النزاع حول حرب الخليج الأخيرة، كان الرب يضم البيت الأبيض لجانبه، ويقوم بذم الديمقراطيين وغيرهم من الواقفين في معسكر (الشيطان)؟
علاوة على ذلك سنجد أيضا أن تلك العبارة المقتبسة من (بنيامين فرانكلين) منتزعة أساسا من سياقها ،إذ أنها تعلي من قيمة التواضع الذي يرمز إليه الرجل. فنحن عندما نقرأ نص الخطاب الذي ألقاه بنيامين فرانكلين أمام المؤتمر الدستوري بالكامل ، فسوف نجد أن الرجل لم يكن يزهو بأن الرب يقف معه، وإنما كان يقصد العكس من ذلك تماما وكان كل غرضه أن يحذر القائمين على صياغة الدستور بأنهم سيواجهون مصاعب جمة، وأنهم سوف يكونون بحاجة إلى أية مساعدة تأتيهم من أي مصدر، بما في ذلك الدعاء إلى الرب.
في الوقت نفسه نجد أن السيد (هوارد دين) يتمسح بأعتاب الدين بالطريقة الماسخة نفسها التي تمسح بها السيد (تشيني) في بطاقة عيد الميلاد الخاصة به. لقد تشدق الدكتور (دين) أمام الصحفيين بأنه يعرف الكثير عن التوراة ، وأن كتاب (أيوب) هو كتابه المفضل من بين كتب العهد الجديد . إن أي شخص يستشهد بكتاب (أيوب) باعتباره كتابا من كتب العهد الجديد، يجب أن يلام بشدة ليس بسبب الإدعاء الديني، ولكن بسبب الجهل المروع بالحضارة الغربية. إن ذلك يتساوى مع ما فعله الرئيس بوش ذات مرة عندما نطق اسم الإغريق بطريقة محرفة.. فبدلا من أن يقول Greeks، قال Grecians!. بعد أن تحدثت إلى كثيرين من معارف بوش القدامى، أستطيع أن أقول إن مشاعره الدينية حقيقية، وهي مماثلة نسبيا للمشاعر الدينية السائدة لدى الكثيرين من الأميركيين. وهنا ينبغي أن أسجل أن الرئيس بوش قد نجح في إقامة نوع من التوازن عندما احتفظ بروابط قوية مع اليمين المسيحي، وحافظ في الوقت نفسه على أصوات الناخبين عندما لم يقم بإخراج تلك الروابط إلى حيز العلنية. فالسيد بوش لا يشير في خطبه إلى (عيسى) أو (المسيح) ولكنه يرسل عادة رسائل مطمئنة إلى إخوانه الإنجيليين (كحديثه عن (القوة التي تصنع المعجزات) في خطابه عن حالة الاتحاد العام الماضي على سبيل المثال).ليست هناك مشكلة تواجه الجمهوريين عند الحديث عن الدين، ولكن المشكلات تواجههم عندما تتحول دفة الحوار إلى ما يجري في الواقع. إن ما يجري في الواقع هو أن سياسات الجمهوريين تحابي النخبة الثرية، عكس الديمقراطيين . ولكنهم -أي الجمهوريين- يتمتعون بميزة نسبية، عندما يقوم الناخبون بالاختيار بناء على القيم، فهنا يتحولون إلى شعبيين، ويصبح الديمقراطيون أكثر نخبوية.
نيكولاس كريستوف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب - (نيويورك تايمز)
ـــــــــــــــــــــ