ضمن فاعليات مؤتمر الجمعية البريطانية للعقم والذي عقد يوم الاثنين الماضي في مدينة (ليفربول)، تقدمت مجموعة من الباحثين بنتائج دراسة أجريت على سبعة آلاف وخمسمائة رجل، وأظهرت انخفاض الخصوبة لدى الرجال بمقدار الثلث عما كانت عليه قبل أربعة عشر عاماً· ففي دراسة أجريت عام 1989 كان متوسط عدد الحيوانات المنوية لدى الرجل يبلغ 87 مليوناً في المليلتر الواحد من السائل المنوي، بينما بلغ متوسط عدد الحيوانات المنوية 62 مليوناً فقط في المليلتر في الدراسة التي نشرت هذا الأسبوع، وهو ما يعني انخفاضاً قدره 29% خلال فترة عقد ونصف· وعلى رغم أن البعض عزا هذا الانخفاض الحاد إلى الزيادة الملحوظة في أعداد الرجال الذين أصبحوا يلجأون إلى عيادات الخصوبة والعقم، إلا أن الكثيرين يرون أن هذه الدراسة تؤكد الاعتقاد السائد بين الأوساط الطبية، بأن ذكور الجنس البشري يعانون من تدهور مستمر في خصوبتهم منذ عقود· فحسب إحصائيات الجمعية الأميركية للطب الإنجابي، يوجد حوالى ستة ملايين أميركي يعانون من نوع أو آخر من العقم، وهو ما يعادل واحدا من كل عشرة أميركيين في سن الإنجاب· وتشكل النساء ثلث تلك الحالات، بينما يشكل الرجال الثلث الآخر، أما الثلث الأخير فهو حالات مشتركة بين الجنسين أو حالات غير معروف سببها بالتحديد· هذه المسؤولية المشتركة بالتساوي تقريباً بين الجنسين، تتطلب الكشف الطبي وإجراء التحاليل اللازمة لكل من الزوجة والزوج معاً في الحالات التي يتأخر فيها الزوجان عن الإنجاب· فكما زال الاعتقاد الخاطئ بأن النساء هن المسؤولات عن إنجاب الذكور أو إنجاب الإناث، أصبح من الضروري حالياً إدراك أن الرجل ربما يكون السبب مثله في ذلك مثل المرأة خلف عدم القدرة على الإنجاب·
وتتعدد الأسباب خلف إصابة المرأة بالعقم، مثل انسداد قنوات المبيض واضطرابات الهرمونات وبعض الاختلالات الوراثية في الكروموزومات· ويعتبر عامل السن من أهم العوامل خلف خصوبة المرأة أو عقمها، فخصوبة المرأة تنخفض بقدر ملحوظ بعد تجاوزها سن الثلاثين، وهي السن التي تشهد انخفاضاً مماثلاً في قدرتها على الاحتفاظ بالجنين حتى نهاية الحمل· أما في الذكور فيعتبر عدد الحيوانات المنوية التي ينتجها الرجل أهم العوامل في تحديد مدى خصوبته، بالإضافة الى نوعية وحيوية تلك الحيوانات· فبعض الرجال ينخفض لديهم عدد الحيوانات المنوية بشكل هائل، أو تكون تلك الحيوانات من الضعف والهزال بحيث لا يمكنها الوصول الى البويضة، وأحياناً حتى إن وصلت الى البويضة تكون عاجزة عن تلقيحها وتكوين جنين طبيعي· هذا التدهور في عدد وحيوية الحيوانات المنوية لدى الرجل، يعزوه الأطباء الى عدة عوامل منها السمنة وإدمان الكحوليات والمخدرات والشيخوخة· فالسمنة أو زيادة الوزن المفرط مثلاً، تعتبر من أهم الأسباب التي تؤثر سلباً على عدد وحيوية الحيوانات المنوية· ففي دراسة أجريت في أطلانطا بالولايات المتحدة، وعرضت ضمن فاعليات مؤتمر الجمعية الأميركية في منتصف شهر أكتوبر الماضي، وجد الباحثون علاقة عكسية بين وزن الرجل وعدد وحيوية حيواناته المنوية· أي إنه كلما زاد الوزن كلما انخفض العدد والحيوية، والعكس صحيح· وحتى في الرجال أصحاب الوزن المفرط، إذا ما نجحت عملية تلقيح البويضة، فكثيراً ما يفشل الجنين في البقاء في الرحم حتى نهاية فترة الحمل· هذه الدراسة أظهرت أيضاً ان انخفاض الخصوبة لا يرتبط فقط بالرجال المفرطين في الوزن، بل أيضا تنخفض الخصوبة إذا ما زاد الوزن عن المعدل الطبيعي بمقدار بسيط· وهو ما يراه البعض تفسيراً مقبولاً لانخفاض الخصوبة بين الذكور في العالم الغربي، والذي يعاني عدد لا بأس به من رجاله ونسائه من وباء السمنة المفرطة·
الوباء الآخر المنتشر في العالم الغربي وخصوصاً الولايات المتحدة، هو إدمان الكحوليات والمخدرات، والذي أصبحت الأدلة تتراكم على تأثيره على الخصوبة· ففي دراسة أخرى أجريت في جامعة بافلو، وجد الباحثون أن تدخين الماريجوانا يقلل بشكل كبير من عدد الحيوانات المنوية ويضعف من حيويتها· وعلى رغم أن العلاقة المباشرة بين الماريجوانا والحيوانات المنوية لا زالت غير واضحة حتى الآن، إلا أن تأثيرها السلبي على الحيوانات المنوية أصبح حقيقة لا تقبل النقاش· ويعتقد العلماء أن أحد المركبات الكيميائية (tetrahydrocannabinol) الموجودة في الماريجوانا، يتداخل مع العمليات الفسيولوجية المتعلقة بإنتاج الحيوانات المنوية، بالإضافة الى أنها تؤثر سلباً على العمليات الحيوية الطبيعية في الجسم كله· أما أغرب الأسباب التي يلقي البعض باللوم عليها خلف الإصابة بالعقم في النساء، فهي الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر قبل عامين، وذلك حسب الإحصائيات المنشورة من أحد أكبر مراكز علاج العقم في نيويورك، والتي شارك فيها أكثر من 400 امرأة كن يتلقين العلاج وقتها· هذه الإحصائيات تظهر أن النساء اللاتي علمن بحملهن بعد تاريخ الحادي عشر من سبتمبر كن عرضة للإجهاض بنسبة تزيد على الخمسة والعشرين في المئة، مقارنة بال