ما هو الدرس الذي يمكن تعلمه واستخلاصه من تلك الهزة الأرضية التي ضربت مدينة بام الإيرانية وسوتها بالأرض، وخلفت وراءها عشرات الآلاف من القتلى؟ بالنسبة للكثيرين، فإن الدرس الذي يمكن استخلاصه هو أن يرفع الناس درجة مراقبتهم لقوانين الطبيعة· في تقرير لها من مدينة بام المنكوبة، كتبت صحيفة (صنداي تايمز) البريطانية قائلة: هنا تذكرنا الطبيعة مجددا بحقيقة كم نحن ضعفاء وبلا حيلة. وفي المنحى ذاته كتب آخرون قائلين: إن غضبة الطبيعة هي التي سوت مدينة بام بالأرض· هكذا تمضي التعليقات، وكأن الطبيعة كائن مدرك، حانق على البشرية، وليس من مهمة له سوى تعقبها وإلحاق الدمار بها أينما حلت· ضمن تلك التعليقات كتب أحدهم مماثلا بين الطبيعة والإرهاب في قدرة هذا الأخير على تمزيق أوصال الأسر وتخريب الممتلكات وتدمير الحياة كلها·
من جانبي فإنني أبدي تعجبي واستغرابي لهذه الطريقة من التفكير ومحاولة إضفاء معنى لما حدث لمدينة بام· فليست خطيئة البشر هي المسؤولة، ولا جهل أهالي بام بقوانين الطبيعة، هما اللذان يمكنهما تفسير تلك العواقب المأساوية الوخيمة التي خلفتها كارثة الزلزال· الصحيح هو أن إرغام أهالي بام على العيش تحت رحمة الطبيعة وقوانينها، هو ما يجب إلقاء اللوم عليه· وتكمن المشكلة هنا في أن اعتماد شعوب الدول النامية المطلق على قوانين الطبيعة، أكثر من جهلهم بطريقة عمل قوانين هذه الطبيعة، هو الشيء الذي يجعلهم (فريسة) محتملة في غالب الأحيان لما نسميه نحن بـ (غضبة الطبيعة)· نستطيع أن نخلص إذا إلى أن الدرس الذي يمكن تعلمه من هذه الكارثة هو حاجة الدول النامية لأن تنمو فعلا، وبأسرع ما يمكن·
ردا على كل الذين بنوا تعليقاتهم على قوى الطبيعة المدمرة، مقابل الضعف البشري المطلق، نقول إن البشرية قد طورت من المعارف والوسائل التكنولوجية ما يقيها جزءا كبيرا من شر وكوارث الزلازل والهزات الأرضية· لنأخذ مثالا عمليا لذلك ما يجري في مركز هندسة الزلازل التابع لجامعة بريستول البريطانية· فالشاهد هو أن العلماء والباحثين المختصين في هذا النوع من الهندسة، يكرسون جل وقتهم وجهدهم في استحداث الطرق العلمية والتكنولوجية التي تمكن البشرية من درء خطر الزلازل وجعل الحياة أقل مأساوية بسببها· ويقينا فإن هندسة الزلازل تقوم بالدرجة الأولى على فهم ظاهرة الزلزال نفسها، ومعرفة طريقة تأثيرها على الحياة والمنشآت والأجهزة التي يستخدمها الناس· وفي سبيل ذلك فإن العلماء يستخدمون وسائل اختبار متطورة للزلازل والهزات الأرضية· بين هذه الوسائل، فهم يستخدمون مثلا طاولة شديدة الاهتزاز، يقيسون بها مدى صلاحية مواد البناء، وقدرتها على الصمود أمام الهزات الأرضية في حالة وقوعها فعليا· وفي وسع كافة هذه الوسائل والاختبارات العلمية، سواء في مجال هندسة المعمار والمنشآت والجسور، أم في مجال هندسة الأجهزة الإلكترونية- حيث تختبر قدرة أجهزة الكمبيوتر على العمل بشكل طبيعي أثناء أعنف الهزات الأرضية- أن تقي البشرية أينما ووقتما كانت، شر الدمار المروع الذي تلحقه الزلازل والهزات الأرضية بحياتها· ومن بين هذه الوسائل التكنولوجية الواقية من خطر الزلازل، فقد تمكن العلماء من تطوير تقنيات هندسية تساعد على استمرار الاتصالات أثناء الهزة الأرضية· وهذه لا شك لها أهميتها ودورها الكبير الذي يعول عليه، في عمليات الإنقاذ وتجنب المخاطر التي يتعرض لها الناس في المنطقة التي تضربها الزلازل والهزات الأرضية·
وعلى سبيل المقارنة لمعرفة مدى فاعلية هندسة الزلازل في تقليل نسبة الخطر الناشئ عن هذه الأخيرة، فقد تجاوز قتلى زلزال بام الأخير العشرين ألفا، على رغم أن قوته كانت 6·6 درجة· يذكر أن زلزالا ضرب مدينة سان فرانسيسكو في عام 1989، كانت قوته 7.1 درجة· إلا أنه لم يخلف وراءه سوى 63 قتيلا، في حين بلغت خسائره المادية ما يقدر بحوالي عشرة مليارات دولار· أما في مدينة كوبي اليابانية، فقد وقع زلزال بدرجة 7.1 أيضا في عام 1995· إلا أن ضحاياه من القتلى بلغ عددهم 5500 قتيل· يلاحظ أن الهندسة المعمارية اليابانية قد وضعت في حساباتها وتصميماتها، اعتبارا للطبيعة الزلزالية للمدينة، وهذا هو أسهم بدرجة كبيرة في تقليل عدد الضحايا· ولكن لم تمر تلك الكارثة دون أن يستخلص منها درسها المهم· فقد أعاد المهندسون تصميماتهم وحساباتهم، وشرعوا يصممون المباني بحيث تصمد أمام المكونات الرأسية والأفقية للزلازل والهزات الأرضية على حد سواء· غير أن أقرب الأمثلة لما شهدته مدينة بام مؤخرا، هو ذلك الزلزال الذي هز كاليفورنيا بأربعة أيام سابقة لزلزال بام· فقد بلغت قوته هو الآخر 6.5 درجة· ومع ذلك فإن عدد قتلاه لم يزد على اثنين فحسب، في مدينة باسو، التي كانت أكثر تأثرا به · وما الفارق بين كاليفورنيا وبام سوى فارق تنموي لا أكثر·
وهذا الفارق التنموي بين الدول النامية والمتقدمة، هو الذي يجب تعلم درسه، والإسراع لسد فجوته· ففي التكنولوجيا المتقدمة - سيما المعماري منها - يكمن الحل لضمان سلامة