كل عام وأنتم بخير، مع بداية كل عام تتكرر الأسئلة حول أوضاع العرب المتأزمة والمهزومة، تتغير أرقام السنوات، ولا تتغير أحوالنا، إلى متى ستستمر هذه الأوضاع؟ وكيف يمكن الخروج من النفق الذي دخلنا فيه؟ وكيف لنا أن نستقطب الجماهير العريضة إلى رأي عام لا يقوم على الاتجاهات الفئوية والسياسية السائدة؟ ولا يدغدغ مشاعره البسيطة، ويخالف مصالحة العائلية والعشائرية والطائفية ؟ وكيف يمكن لأي مبادرة عربية أن تخرج من بطش الشخصيات السائدة رسمياً وشعبياً؟
طبعا لا نملك الإجابة على تلك التساؤلات، فالنفق عميق والمشاكل المزمنة شلت العقل العربي وجعلت عواطفه تتحكم في مساراته .
والأزمات العربية مزمنة وخانقة وربما يتصدرها الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني الذي أضاع كثيراً من مقدرات العرب، وأدخلهم في صراعات جانبية، وشغلهم عن قضايا حيوية. ومن المفارقات العربية أن استمرار الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني أعطى لبعض الحكومات العربية الحجة في تأجيل مشاريع التنمية، فتحت شعار المعركة أجلت قضايا التطور والتحديث والتنمية، وفي ذات الوقت الذي تدعو فيه تلك الأنظمة العربية إلى مواصلة الكفاح فإن حدودها باتت هي الأكثر أمانا لإسرائيل فلم تنطلق منها رصاصه واحدة تهدد أمن إسرائيل .
وفي حرب 67 انتهينا إلى خسارة أرض جديدة بحجم فلسطين، وخرجنا بمنظمة التحرير الفلسطينية التي قادتنا إلى أزمات خانقة بدخول فصائلها في صراعات على السلطة، وبسبب هزائمنا المستمرة ، طغت علينا رغبات التشفي والحقد ضد الآخرين وأصبحت روح الانتقام محركاً قوياً لسلوكنا، وأصبح الإنسان العربي يتمسك بأي بارقة نصر، وحتى لو جاءت من الشيطان وهذا ما وجده الشارع العربي في ظاهرة الدكتاتور صدام حسين.
ولا تكتمل سلسلة الأزمات العربية إلا بالإرهاب الذي أصبح سلعة عربية نصدرها للعالم وبصناعتنا للإرهاب خسرنا قوة التفاعل مع معطيات الحضارة الغربية، وربحنا التباهي بالماضي، وفضلنا الانفصال عن التواصل مع العالم .
المنطق الأعوج الذي شكل حياة العرب ما كان لينمو ويتجذر إلا في حالة الاستبداد التي أثرت في سلوك وعقول العرب حتى أصبحوا ظاهرة تستحق الدراسة من قبل الباحثين، فكثير من الأمم تعرضت للهزائم إلا أنها استطاعت أن تنهض وتربح الرهان، وتعود محوراً للحياة واليابانيون والألمان أمثلة حية أمامنا .
الأزمة الفكرية عندنا باتت تعبر عن نفسها بشكل فاقع، فالعروبيون أو(العربجيون) ازدادوا شرذمة وتناحرا، والعلمانيون فشلوا في تقديم العلمانية وأصبحوا كقطع الآثار في المتاحف ،والإسلاميون ليس حالهم أفضل، فزادت صراعاتهم على السلطة وضيعوا رسالة الإسلام التي كانت ركائزها السلام والمحبة واستبدلوها بنشر الكراهية لما قسموا العالم إلى دار سلم ودار حرب.
التناقضات لم تعد مقصورة على الأنظمة الحاكمة، فالمنظمات المدنية ومنتديات الفكر العربي وجدت نفسها حبيسة لأفكار قديمة، وعجزت عن تقديم رؤى جديدة لإخراج الإنسان العربي من حفرته. ومن المؤلم أن البحث عن بارقة أمل في عالمنا أصبح مهمة عسيرة وأن خيوط الأزمة تعقدت لتذكرنا بما قال سعد زغلول باشا لزوجته صفيه هانم وهو على فراش الموت (غطيني يا صفية، مفيش فايده)·
يقال لولا الأمل لمات الناس من اليأس، ولعل أملنا هو أن يواصل العالم سيره نحونا، وتزيح عنا كابوس التخلف وتدفع بنا إلى النور لنجد أنفسنا من جديد·