إن مجلس (اللويا جيرغا) الدستوري الذي انعقد في كابول الأحد الماضي، كان بمثابة علامة بارزة على طريق الأفغان نحو الديمقراطية· لقد أمسك الأفغان بالفرصة التي قدمتها لهم الولايات المتحدة وشركاؤها، وقاموا بوضع أسس المؤسسات الدستورية، وقدموا إطارا للانتخابات العامة المزمع إجراؤها خلال هذا العام·
لقد أظهر الشعب الأفغاني التزامه الرائع بالديمقراطية بطريقتين: تحدي أعداء التقدم الأفغاني، وهم فلول نظام (طالبان) وبقايا تنظيم (القاعدة)، من خلال المشاركة في انتخاب المندوبين لمجلس اللويا جيرغا الدستوري، و إظهار قدر كبير من الشجاعة أمام المحاولات التي جرت لإرهاب المرشحين والناخبين من قبل المتطرفين الذين لم يخضعوا لذلك· النساء على وجه الخصوص لم ينتبهن الخوف، حيث كان هناك تعبير رمزي واضح عن أن الأمور قد أصبحت عكس ما كانت عليه في الماضي، وذلك حين تم استخدام إستاد كابول- الذي تم فيه منذ أقل من 3 سنوات إعدام امرأة من قبل نظام (طالبان) بتهمة ارتكاب الزنا - من قبل مئات من النساء اللواتي قمن باختيار ممثلاتهن لمجلس اللويا جيرغا الدستوري· ومن بين المندوبين المصوتين كان هناك 102 امرأة وهو ما يشكل اكثر من 20 في المئة من مجموع المندوبين·
أما الطريقة الثانية فهي أن الأفغان قد تغلبوا على ماضيهم· فبدلا من الاعتماد على قوة البندقية كما كانوا يفعلون دائما، فانهم اعتمدوا هذه المرة عملية الحوار، والاستماع، والتوصل إلى تسويات وتوافقات بطريقة ديمقراطية وهي عملية غالبا ما تكون صعبة، وأحيانا تكون مربكة· لقد وثقوا أخيرا بقوة الكلمة ودورها في التداول حول الأمور الصعبة· لقد استخدم الأفغان الصحف والإذاعة و المقاهي والمدارس، والجامعات، والمساجد بل وحتى الإنترنت، كمنتديات للحوار بشأن الموضوعات الأساسية مثل نظام الحكم، دور الدين، حقوق الإنسان، دور المرأة ( حظي بأهمية خاصة)، وموضوعات أخرى ذات أهمية عاطفية، بالنسبة لبلد توجد فيه 12 مجموعة عرقية مختلفة، مثل اللغة الرسمية، والعلاقة بين المراكز والمحافظات · إن هذا الحوار الواسع النطاق لم يسبق له مثيل على مدى 5000 عام من التاريخ الأفغاني·
إن رغبة الشعب الأفغاني في النجاح تغلبت على تخوفه من احتمالات الفشل· ففي غمرة المناقشات المحتدمة، كان المندوبون والشعب الأفغاني بأسره، ملتزمين التزاما لا يحيد بالحصول على دستور سليم· أما محاولات أمراء الحرب والمتطرفين لاختطاف العملية فقد تم إحباطها· وقد تولت النساء وممثلو الأقليات دور القيادة في ذلك· فعندما قامت امرأة شجاعة بإلقاء اللوم على بعض المندوبين بسبب الدور الذي لعبوه في تدمير أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي، حاول رئيس الجلسة طردها من القاعة في البداية، ولكن المندوبين أجبروه عن التراجع، كما رفضت(الملالاي جويا) أن يتم إرهابها، وواصلت لعب دور محوري في لجنة العمل التابعة لها· وباكتمال اللويا جيرغا تولت ثلاث نساء يمثلن جزءا من فريق القيادة المكون من سبعة أعضاء- وعديدات غيرهن -مناصب قيادية في لجان العمل· وعندما ظهرت الخلافات العرقية والإقليمية، وهددت بإحداث انشقاقات بصدد المسائل الحساسة مثل اللغة الرسمية، فإن المندوبين حاولوا تحقيق الوحدة في التنوع، وذلك من خلال جعل كل اللغات رسمية في المناطق التي تتحدث أغلبيتها بها، وهي مسألة لا سابق لها بالنسبة لأفغانستان والمنطقة· لقد وقف الشعب الأفغاني والعالم معه لكي يشاهدوا الهزارة، والبشتون، والطاجيك، والتركمان، والأوزبك وغيرهم، وهم يتبنون واحد من أكثر الدساتير استنارة في العالم الإسلامي·
ويقدم الدستور الأفغاني نظاما رئاسيا وبرلمانا قويا ونظاما قضائيا· والوثيقة النهائية تتبنى بنية حكومية مركزية، تعكس معتقدات معظم المندوبين، التي تتمثل في أن سنوات الحرب والتدمير للمؤسسات الوطنية، قد تركت الحكومة المركزية في حالة من الضعف الشديد· لقد قام المندوبون بتعزيز البرلمان عن طريق البت في سياسات الدولة الأساسية، وعن طريق المطالبة بضرورة اعتماد الموظفين الأساسيين من قبل الرئيس، ومنهم رئيس البنك المركزي، ومدير إدارة الاستخبارات الوطنية·
ينص الدستور الأفغاني أيضا على التزامات موازية منها الالتزام بالإسلام، وحقوق الإنسان· ففي الوقت الذي تتبنى فيه الدولة الإسلام كديانة رسمية، تقدم الوثيقة حريات دينية واسعة- تسمح لأتباع المعتقدات الأخرى بممارسة شعائرهم بحرية· كما قام اللويا جيرغا بزيادة عدد النساء في البرلمان بمعدل امرأتين عن كل مقاطعة حيث نص صراحة على أن(مواطني أفغانستان- رجالا أو نساء- يتمتعون بحقوق وواجبات متساوية أمام القانون)· إن القبول بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، يمثل تغييرا ثوريا في الأدوار التي ستلعبها المرأة في الحكومة والمجتمع الأفغانيين·
مع ذلك فإن أفغانستان تواجه المزيد من التحديات منها : وضع هذا الدستور موضع التنفيذ، مواجهة الفلول المتبقية من نظام (طالبان) وتنظيم (القاعدة)، نزع أسلحة المليشيات، تعزيز المؤسسات الوطنية، استئصال زراعة