الرئيس الفرنسي جاك شيراك أوصى بحظر الحجاب والشارات الدينية في المدارس بما فيها الحجاب الاسلامي والصليب المسيحي والقلنسوة اليهودية ودعم التوجه لسن قانون في هذا الشأن والبدء في تطبيقه السنة الدراسية المقبلة··· وبرر ذلك بـ (ضمان حرية كل فرنسي، بحيث يكون جوهرها هو احترام القواعد المشتركة وضمان تكافؤ الفرص لجميع الفرنسيين مهما تكن أصولهم أو أديانهم أو أجناسهم)· ويجب أن نعود إلى البداية الجديدة لأزمة الحجاب التي انطلقت بعد تقرير لجنة (تطبيق مبدأ العلمنة في الجمهورية) الفرنسية الذي دعا إلى سن قانون يشدد على علمانية المدارس وحيادها ويمنع كل الشارات الدينية البينة في المدارس والدوائر الحكومية والبلدية والمستشفيات العامة بما في ذلك الحجاب والقلنسوة اليهودية والصلبان الكبيرة والألبسة وكل ما يمكن أن يدلل على انتماء ديني أو سياسي·
لم يزعجني القرار الفرنسي فلا يحق لأي أحد ان ينكر على أية دولة رغبتها في المحافظة على قيمها وثوابتها ولكن في المقابل كما ان هناك حقا للدولة فإن هناك حقا لمواطن تلك الدولة لا يجب إغفاله ويجب احترام حق الطرفين بعيدا عن الدين أو القومية أو الفروق الاجتماعية· ولكن المزعج في هذه القضية هو موقف شيخ الأزهر الذي لا أريد التعليق عليه من موضوع الحجاب الذي تخلى فيه عن المحجبات هناك وكأن الأمر لا يعنيه ··
وشيخ الأزهر لم يصل يوم الجمعة الماضية في الأزهر وذلك ربما لأنه توقع أن يلاقي ما لا يرضيه لأنه يعلم أنه أغضب الجميع إلا البعض في فرنسا واعتقد أنه من الأفضل أن يواجه الجميع ويعلن تراجعه عن تصريحاته التي لا علاقة لها بالدين وإنما هي كتصريحات السياسيين العرب التي تضر أكثر مما تفيد فأعتقد أن الاعتراف بالخطأ فضيلة والتراجع عن التسبب في إيذاء الكثيرين أمر في غاية الأهمية·
لا ادري لماذا لم يقترح شيخ الأزهر أي حل لهذه المشكلة التي من الواضح أنه لا يشعر بها أبدا وكان في الاجتماع الذي عقده مع وزير الداخلية الفرنسي - الذي كان معارضا من الأساس لهذا القانون فهو يرى أن أي حظر سيزيد من مشاعر التشدد لدى المسلمين ولا أعرف ماذا كان شعور هذا الوزير وهو يستمع إلى ما استمع إليه في هذا الاجتماع الذي حضره عدد كبير من أصحاب العمائم·
مشكلة قانون الحجاب الفرنسي ليست في وجوده وإنما في طريقة تنفيذه وما حدث منذ أسبوعين في بنك (سوسيتي جنرال) الفرنسي مثال فقد تصرف أحد حراس الأمن في البنك بحماس مبالغ فيه ورفض دخول امرأة محجبة أحد فروع البنك في باريس فحارس البنك منع السيدة المحجبة من الدخول بعد أن رفضت أن تخلع الحجاب ،كما هو موضح على لافتة تطلب من كافة الزبائن خلع أغطية الرأس والقبعات والخوذات وكافة أغطية الرأس والنظارات الشمسية··· كما أنه تم مؤخرا منع فرنسية محجبة من المشاركة في هيئة محلفين بسبب الحجاب·
المشكلة تتمثل في طريقة التعامل مع الظاهرة؛ وهل بقوة القانون وردعه وحده نستطيع القضاء عليها؟ وماذا لو اصطدم قانون من هذا القبيل مع مبدأ مهم من مبادئ العلمانية الفرنسية، وهو مبدأ الحريات الشخصية؟
بقضية الحجاب المطروحة تتعرض فرنسا لسؤال خطير، هو: هل للحريات الشخصية حدود معينة؟ أي هل باسم العلمانية يمكن أن نحد من الحريات الشخصية؟ والحال أن العلمانية كانت الضامن الأقوى لهذه الحرية الشخصية طوال قرن كامل·
ففي فرنسا -التي قننت الحياة المثلية وأماكن ممارستها، وجعلت من قلب باريس مكان تسامح للجميع؛ حيث يجتمع في الدائرة الرابعة والمؤمنين بكل الظواهر الغريبة والعجيبة في مقاهٍ خاصة بكل فئة- يمكننا أن نرى قوة مقولة الحريات الخاصة، وكيف يمكن أن تبني مجتمعا متناغما ومختلفا ومتعايشا وثريا بقيم متضادة في غير تناحر· ففي كل هذا الخليط وبين حرية ممارسات المثليين والفضاءات الخاصة بالطبيعيين العراة بلا ورقة التوت، ومعابد البوذيين، وعبدة الحب وغيرهم·· وسط كل هذا الخليط·· ألا يمكن أن نجد مكانا من أجل حرية خاصة لفتاة محجبة؟
إن ما يجب أن يقوم به مسلمو فرنسا الذين بالتأكيد أنهم لم يكونوا بحاجة إلى فتوى من شيخ الأزهر وغيره أن يتعاملوا مع القوانين الجديدة بعقلانية وهدوء بعيدا عن العصبية والتعبئة النفسية التي تضر أكثر مما تفيد وكذلك عدم السماح للأصوليين والمتطرفين باستغلال هذه المشكلة لإشعال أزمة دينية·· فهناك في فرنسا الوضع مختلف تماما عن الوضع في الدول العربية فمن خلال الديمقراطية والحوار يمكن الحصول على المكتسبات التي يتم التطلع إليها كما أن قانون الحجاب لم يقر نهائيا فمشروع القانون سيتم عرضه على البرلمان الفرنسي في فبراير القادم وعلى رغم أن الصياغة النهائية للقانون قد تمت إلا أنها ما تزال قيد المباحثات وهذا ربما ما لا يعرفه شيخ الأزهر·
مشكلة الحجاب في فرنسا فيها كثير من التفاصيل الدقيقة ولكن نتساءل بين الخمسة ملايين مسلم في فرنسا كم هو عدد النساء وكم هي نسبة المحجبات بينهن وهل تصل إلى النسبة التي تخيف فرنسا وهل عددهن يستحق كل هذه الضجة المثا