إن كان لنا أن ندافع عن أمن بلادنا في موسم التأهب الأمني بدرجة اللون البرتقالي الذي نعيشه اليوم، فإن من الأفضل لنا أن نعول على سلاح الاستخبارات وليس القوة العسكرية. ذلك أن ما من سلاح يفوق سلاح جمع المعلومات حدة، في سعينا لتفكيك خلايا الشبكات الإرهابية، والحيلولة دون هجماتها. اليوم فإن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأخرى، تعمل على تعقب مجموعات صغيرة وغير مرتبطة مع بعضها البعض في كثير من الأحيان، إضافة لتعقبها لعدد من الأفراد الذين يبرعون في إخفاء هوياتهم، ولا يظهرون للسطح إلا لمدة قصيرة لا تتجاوز الوقت الذي ينفذون فيه عملياتهم وهجماتهم الإرهابية. وفي إطار المواجهة مع الإرهاب، فقد انصب معظم الاهتمام على القوة العسكرية. نتيجة لذلك فقد تهيأنا لأن نرى الطائرات والدبابات والمقاتلات العمودية والجنود المسلحين بالعتاد الحربي الثقيل، وكل ترسانتنا الحربية وقد حشدت للذود والدفاع عن أمن بلادنا وطمأنينة أهلها، إضافة إلى إلحاق الهزيمة العسكرية بالإرهابيين بالطبع.
غير أن استنفار وحدات الجيش والقوات الجوية والبحرية والمارينز وغيرها من الوحدات والقدرات العسكرية, وحشدها في سبيل خوض حرب يومية ومستمرة ضد الإرهاب، لن يكون استراتيجية ناجعة ولا عملية في مواجهة الإرهاب وشل قدراته، سواء كان ذلك في الداخل أم الخارج. لا جدال في أن لأميركا أكثر مما يكفي لسحق أعدائها في ميادين القتال. غير أن الحرب ضد الإرهاب هي شيء آخر، لكون التحدي الرئيسي الذي لا بد من مواجهته فيها، يتمثل في خوض القتال ضد عدو في ميدان لا تحده حدود معلومة ومعروفة. وفيما لو خيضت هذه الحرب على النحو الصحيح والأمثل كما يفترض، فسوف يتوقف نجاح العمل الوقائي ضد الهجمات الإرهابية ونزع فتيل الإرهاب بالدرجة الأولى على مدى قدرتنا على جمع المعلومات الصحيحة والدقيقة الكفيلة بمنع وقوع الهجمات ومكافحة الإرهاب بعيدا عن معرفة أو وعي الجمهور بما يجري. فالشاهد في مثل هذا النوع من الحروب الاستخباراتية، أن المواجهة تدور سرا وفي الخفاء عادة. أما حين نخفق فيها فإن الجمهور لا يشعر إلا بعجزنا عن خوضها على النحو الصحيح، والحيلولة دون وقوع الهجمات الإرهابية علينا. وما أن يحدث ذلك، حتى يطغى الشعور بمدى عجزنا وقلة حيلتنا عن حماية أنفسنا.
وهذا هو عين الذي يريد أن يصل له الإرهابيون، الذين تتلخص مهنتهم بحكم طبيعتها، في بث الرعب في قلوبنا، وترسيخ شعورنا بالعجز وقلة الحلية أمام هجماتهم. ما يصبو لتحقيقه الإرهابيون هو أن يجعلونا نستسلم للأمر الواقع، ونقتنع بقدرية الهجمات وتكرار حدوثها عشوائيا وكيفما اتفق. ضمن ذلك فإن علينا أن نستسلم لحقيقة أن الهجمات قد تأتينا في أي لحظة ومن حيث لا نحتسب. وفقا لهذا المنطق والتهيئة النفسية الاستسلامية، فإن علينا ألا نحاول حتى مجرد المحاولة، التنبؤ بما يستحيل التنبؤ به أصلا. خلاصة هذه العقيدة هي أن يجعلونا نتبنى طوعا وإرادة، فلسفة (انهزامية) على أن تكون تلك هي الخطوة الضرورية واللازمة لإلحاق الهزيمة بنا.
ليخطط الإرهابيون كما يحلو لهم، غير أننا في الواقع فعلنا الكثير وما يزال أمامنا وفي مقدورنا الكثير مما يمكن ويجب فعله في منازلة الإرهاب ومكافحته. وغدا من الممكن التعرف على بصمات وتقفي آثار تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات المتطرفة الأخرى المتعاطفة معه، من خلال العمل الأمني والاستخباراتي المشترك، وتبادل المعلومات مع الأجهزة الأمنية المختلفة، المحلي منها والدولي، بحيث يتم الحد من احتمال وقوع هجماته هنا داخل الولايات المتحدة وخارجها. ومما تم استقصاؤه مؤخرا، مساعي تنظيم القاعدة وأنماط وأشكال عمله وجهوده الرامية لتقوية شوكة العناصر والجماعات الإسلامية المتطرفة في كل من المغرب والمملكة العربية السعودية وتركيا، خلال ما نفذته تلك الجماعات من هجمات ضد المصالح والأهداف الأميركية والغربية.
وتكشف في بعض الحالات جهل سلطات الأمن المحلية بحقيقة هوية بعض الأفراد المشاركين في الهجمات المذكورة. هنا لا بد من الإشارة إلى سعي تنظيم القاعدة المستمر لتجنيد عناصر ومقاتلين مجهولي الهوية. وفي حالات أخرى، توفرت للسلطات المحلية معلومات غزيرة عن هوية المسؤولين عن تدبير وتنفيذ الهجمات، بما في ذلك تفاصيل السجل الإرهابي لكل منهم. فعلى أمثال هؤلاء على وجه التحديد، يعتمد تنظيم القاعدة في شن هجماته الأكثر فتكا ودمارا، بحكم خبرتهم الطويلة والمجربة في هذا المجال. في مثل هذه الحالات، فإنه يسهل على القوات الأمنية وقوات الشرطة معرفة هوية الأفراد المشاركين في التدبير والتخطيط أو التنفيذ أو الاثنين معا، بحكم توفر سجل لديها عن انتماءات هؤلاء، ودفاعهم العلني في معظم الأحيان عن أعمال العنف والتطرف الديني. كما يوفر سجلهم الإرهابي قاعدة بيانات مهمة تعتمد عليها السلطات المحلية في تقصي نشاط ودور وبصمات هؤلاء في ما يقع من هجمات، أو ما يحتمل وقوعه منها.
وفي الإمكان بالطبع مراقبة حركة مثل هؤلاء الإرهابيين على المستوى